Menu

نجاح الأسرى الستة في تحرير أنفسهم... هل سيشعل عود الثقاب نحو انتفاضة جديدة..؟ 

راسم عبيدات

عملية "نفق الحرية" التي قادها ستة أسرى فلسطينيين، خمسة منهم من حركة الجهاد الإسلامي وفي المقدمة منهم محمود العارضة؛ أمير الحركة في سجن الجلبوع، الذي قاد هذه العملية الهوليودية إنتاجاً وإخراجاً، وسادسهم زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى؛ عضو ثوري فتح، هذه العملية يجمع كل الخبراء والمحللين أمنيين وعسكريين وسياسيين ورجال أمن ومخابرات حاليين وسابقين وقادة مراكز دراسات وأبحاث، بأنها عملية نوعية واستثنائية بكل المعايير والمقاييس، وتعبر عن أن إرادة المنفذين وصبرهم وحنكتهم انتصرت وتفوقت على كل القدرات والإمكانيات والعوائق والعقبات الكبيرة أمام التنفيذ. فهذا السجن يعد الأكثر تحصيناً في دولة الاحتلال، من حيث البناء والتصاميم الهندسية، وكذلك التحصينات؛ فهناك 72 كاميرا في السجن تعمل على مدار الساعة وتراقب حركة الأسرى بكل تفاصيلها، والأبراج والأسلاك الشائكة والمجسات الإلكترونية؛ ناهيك عن أن غرف أو زنازين السجن من الباطون الجاهز، الذي يجعل عملية الحفر في أرضية الغرف أو جدرانها شبه مستحيلة؛ ناهيك عن أن عمليات "العدد" في السجن من ثلاث إلى أربع مرات يومياً، ويضاف لذلك عمليات "الدق" على جدران وأرضيات الغرف اليومية.. كل هذه العوامل مجتمعة تقول بأن أي عقول هذه التي "اجترحت" المعجزات في زمن توقف فيها الكثيرون عن الفعل وأجادوا لعبة الهروب إلى الأمام لكي يبرروا عدم الفعل... عملية" نفق الحرية"، التي عبر فيها أبطال الحرية، نحو الحرية، من خلال حفر الباطون والصخر ب"ملاعقهم"، سيكون لها الكثير من التداعيات، فهي لم تصب المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في عصبها الرئيسي؛ فإسرائيل التي تتباهى دوماً بقدراتها الأمنية والعسكرية، والتي استخدمت منظومة أجهزة بيغاسوس للتجسس على الكثير من دول العالم، وتقوم بالتجسس بشكل دائم على الأسرى في المعتقلات وحركة اتصالاتهم وعلاقاتهم وحتى حركتهم داخل المعتقل... هذه الضربة أو الصفعة القوية، قالت لهم بشكل واضح بأن من يناضل من أجل وطن أو حرية أو يصمم على فعل الشيء مهما كانت إمكانياته متواضعة فهو قادر على أن ينجز ويجتاز كل منظومات أمن دولة الاحتلال بشرية وتكنولوجية ومعلوماتية والكترونية.. 
دولة الاحتلال اعترفت بشكل واضح بأن هذه العملية، لا يوازيها سوى الفشل في حرب أكتوبر/1973، فرغم امتلاك القيادتين العسكرية والسياسية الإسرائيلية لمعلومات أمنية، بأن الجيشين المصري والسوري، سيشنان حرب على دولة الإحتلال، ولكن تلك المعلومات الهامة، التي وردت من أكثر من مصدر، ومن ضمنها عملاء زرعوا في دوائر مقربة ومحيطة من صنع القرار، لكن الجيش المصري نجح في اجتياز خط بارليف وعبور قناة السويس؛ خط بارليف الذي وصف بأنه لا يمكن لأي جيش ان يتمكن من اختراقه... ولكن المفاجأة بأن الجيش العربي المصري وضمن خطة عسكرية احترافية تمكن من إسقاط أسطورة هذا الخط الدفاعي.
الإخفاقات الأمنية الإسرائيلية تتوالى ومنظومة الردع الإسرائيلية تتآكل والتباهي بالقدرات العسكرية والمعدات العسكرية المتطورة التي يمتلكها جيش الاحتلال الإسرائيلي، والقادرة على أن تحقق الانتصارات لجيشه؛ أسقطتها قوى المقاومة العربية والفلسطينية بإمكانياتها العسكرية المتواضعة؛ تلك القوى التي راكمت من التجارب والخبرات، بما مكنها من ان تنتصر على أعتى الآلات الحرب العسكرية الإسرائيلية... ففي الحرب العدوانية التي شنت في تموز /2006 على لبنان ومقاومته، وفي المقدمة منها حزب الله؛ تمكن حزب الله أن يدمر ويسقط بصواريخ الكورنيت هيبة أسطورة دبابة "الميركفاه" الإسرائيلية؛ الأكثر تطوراً وتحصيناً، وبالتالي تسبب ذلك في خسائر كبيرة للصناعات العسكرية الإسرائيلية التي كانت تباهي بهذه الدبابة، وتصدر الكثير منها لدول العالم، وكذلك قبل أربعة شهور تقريباً، في معركة " سيف القدس " 11 أيار الماضي؛ تمكنت صواريخ المقاومة الفلسطينية أن تبطل مفعول النظام الدفاعي الإسرائيلي المضاد للصواريخ "القبة الحديدية"، حيث اجتاز عدد لا بأس به من الصواريخ الفلسطينية؛ تلك القبب الحديدية، ولكي تسقط في قلب دولة الاحتلال، وهذا جعل الثقة بمثل هذا النظام الدفاعي تتراجع ولتؤثر بشكل كبير على سمعة مثل هذا النظام الدفاعي باهظ الثمن، والمعد الأكثر تطوراً في العالم، حيث اختارت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"؛ نظام دفاعي من إنتاج شركة أمريكية "داينتكس" كبديل عن القبة الحديدية موجهة ضربة قوية لمصانع السلاح الإسرائيلية "رفائيل" الأكثر تطوراً في دولة الاحتلال.
هذه العملية "الهوليودية"؛ إنتاجاً وإخراجاً وتنفيذاً، سيكون لها الكثير من التداعيات، على المؤسستين الأمنية والعسكرية، ليس أقلها طرد الجنود الموجدين على الأبراج العسكرية، والذين لم يلحظوا حركة الهروب على الكاميرات؛ ناهيك عن أن مجندة على أحد الأبراج كانت تغط في النوم لحظة الهروب... سيتم الإطاحة برؤوس كبيرة من إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها، والأمور قد تصل إلى قيادات أمنية عليا... فالفشل على درجة كبيرة جداً من الخطورة؛ فهناك أسئلة تثار: كيف سُمح لقائد كتائب شهداء الأقصى زكريا الزبيدي قبل ليلة من "الهروب"/التحرير؛ الانتقال إلى غرفة يعيش فيها مجموعة خطرة من قادة الجهاد الإسلامي..؟ وكيف سمح لثلاثة من قادة الجهاد المصنفين كخطرين بالتجمع في غرفة واحدة..؟ وكذلك ما هو دور الجنود الموجودين على الأبراج العسكرية..؟ ولماذا لم يجرِ أخذ العبر من محاولة الهرب في عام 2014، والتي جرى فيها حفر نفق مماثل وفي نفس السجن ..؟ 
كل هذه الأسئلة المثارة الآن وما حصل؛ يؤكد على أن الإخفاقات الأمنية الإسرائيلية تتواصل؛ فقبل فترة قصيرة تمكن مسلح فلسطيني من قتل قناص صهيوني من فتحات جدران الفصل على حدود قطاع غزة بواسطة مسدس... وقبل ذلك لم تتوقع أجهزة الأمن الإسرائيلية في هبات نيسان المقدسية؛ باب العامود والأقصى والشيخ جراح؛ أن تتدخل المقاومة الفلسطينية لصالح القدس والأقصى وتقوم بقصف القدس بالصواريخ. 
نجاح عملية "نفق الحرية" النوعية والاستثنائية، والتي جرت في ظروف في غاية التعقيد، وما سبقها من قنص للجندي الصهيوني على حدود قطاع غزة؛ ستدفع بالعديد من القوى والفصائل الفلسطينية، لكي تصعد من شن عملياتها العسكرية ضد دولة الاحتلال وترفع من وتيرة المواجهات على طول وعرض فلسطين التاريخية، وإذا ما تمكن المحتل من قتل أبطال "نفق الحرية" أو أعاد اعتقالهم، أو شن عملية عسكرية واسعة متوقعة قريباً من أجل القضاء على بؤر المقاومة في جنين ومخيمها "ستالينغراد"؛ أبو جندل والطوالبة.. فالأمور مرشحة للتصعيد ليس عبر الذهاب نحو انتفاضة شعبية شاملة؛ تفقد فيها أجهزة أمن السلطة والسلطة سيطرتها على الأوضاع في الضفة الغربية، بل سيكون هناك تصعيد عسكري مع قطاع غزة، هذا التصعيد قد يقود إلى تداعيات أبعد من قطاع غزة، وخاصة بأن رئيس أركان جيش الاحتلال "كوخافي"؛ يكثر من " التبجح" والحديث عن عمليات برية واسعة في قطاع غزة وجنوب لبنان، ونحن نرى بأن "كوخافي" وبينت وغانتس؛ يدركون جيداً بأن القيام بمثل هذه العمليات؛ محفوف بالكثير من المخاطر والثمن الباهظ الذي سيدفعه جيشه وجبهته الداخلية. 
نحن على قناعة تامة بأن هذه العملية النوعية الاستثنائية ستزيد من رصيد المتمسكين بنهج وخيار وثقافة المقاومة في الساحتين الفلسطينية والعربية، والتراجع الكبير بالثقة بدعاة نهج وخيار المفاوضات العبثية... وأن الأوضاع ذاهبة نحو التصعيد فلسطينياً وعربياً.. وربما معركة كسر عظم... وما هو أكيد أن جنين ستكون أمام عملية عسكرية إسرائيلية من أجل القضاء على بؤر مقاومتها، كي لا تشكل أنموذج ينتقل إلى كل الضفة الغربية في ظل سلطة فلسطينية تزداد ضعفاً وتآكلاً.