Menu

رسالة إلى مجلس الأمن في بيتنا إرهابيون

عيسى قراقع

ها هم جاءوا، خفافيش ليلية، أحاطوا بالبيت، بنادق وكلاب وسعار واقتحام وتفجير الأبواب والشبابيك، إنها عملية الاعتقال على الطريقة الإسرائيلية، حفظنا هذا المشهد المرعب المتكرر يوميا، ضرب وتكسير وتفتيش وصراخ وإطلاق قنابل ورصاص، إنهم الإرهابيون الإسرائيليون، يستهدفون الجميع، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، غرفة النوم وكتب المدرسة، لا رحمة في ليلة الاعتقال.

في بيتنا إرهابيون، مستوطنون يقتحمون حقول زيتوننا، يغتالون الأشجار، يعتدون على المزارعين، ينتقمون من الأرض الخضراء، صار الزيت دمعا هذا العام، إرهابيون يحرسهم جيش الاحتلال، إرهاب تحت حماية ودعم دولة إسرائيل، دولة القاضي والجلاد، دولة تنظر إلى البشر من فوق برج مسلح ومن فوهة دبابة.

في بيتنا إرهابيون، احضروا جرافاتهم، جرفوا الأرض تحت قوة السلاح، جرفوا الدوالي وآبار المياه، لوثوا المياه، مسحوا خطوات الأجداد وآثار الطيور البرية، مستوطنة جديدة هنا، مستوطنات في كل مكان، مستوطنات في وجهك وأمام عينيك، أنت محاصر بالمستعمرات والمستعمرين، استولوا على نقوش أسماءنا المحفورة في الصخور، نبشوا القبور، إرهابيون يحاصرون روحنا الباقية.

في بيتنا إرهابيون، يأتون كل يوم أفواجا أفواجا، مسلحين حاقدين، يقتحمون الأماكن المقدسة في القدس ، يعتدون على العباد والمصلين والصلاة، يبحثون عن هويتهم المختلقة في جماجمنا ولحمنا وعظمنا، لم يجدوا غيرنا، يبحثون عن هيكل مزعوم، لم يعثروا إلا على ملامحنا وآياتنا، يزدادون وحشيةً كلما اكتشفوا أن الزمان والمكان لنا.

في بيتنا إرهابيون، بالعنف والبطش والبلطجة يحاولون تجريم نضالنا وكفاحنا، يصمون مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان بالإرهاب، كل الشعب الفلسطيني قنابل موقوتة، كل الشعب الفلسطيني بنظرهم يعتبر إرهابيا يجب أن لا يكون، كل لوائح الاتهام منذ بداية الاحتلال حتى الآن تصنف النضال والمقاومة الفلسطينية بالإرهاب والتخريب، يريدون نزع شرعية كفاحنا الوطني واستبدالها بشرعية المستعمرين، يحاولون إلقاء القبض على تاريخنا واسكاته ومحوه من الوجود.

في بيتنا إرهابيون، هنا نراهم في كتاب المدرسة، في الأغاني والأناشيد، يلاحقون مناهجنا التربوية، يلاحقون حضارتنا وعاداتنا وحكايتنا، يمزقون أبجديات هويتنا القومية والإنسانية، وحوش إرهابية تجتاح المدينة، أراهم على الحاجز العسكري ينفذون عمليات الإعدام لمجرد الاشتباه، أراهم يقنصون أطفال غزة على السياج، أراهم في كل مكان، في الشارع وفي النوم وفي السجن وفي البحر وفي حبة الملح وفي الأغنية.

في بيتنا إرهابيون، وما أكثرهم، يخطفون ويحرقون ويقتلون ويعربدون، الوزراء والقضاة والبرلمانيون، الجيش والشرطة وأجهزة الأمن والدبلوماسيون ووسائل الإعلام، دولة النازيون الجدد، دولة بربرية تمارس همجيتها بكل وقاحة واستهتار بالقيم والعدالة الإنسانية، دولة معسكرات ومخابرات وسجون.

في بيتنا إرهابيون، تفتخر بهم دولة إسرائيل، إنهم أبطالها القوميون، رجال التحرير والاستقلال، يستحقون الأوسمة والنياشين، كلما أعدموا فلسطينيا واستولوا على منزل وحارة وملأوا السجون بالمعتقلين، لهم الحصانة والمناعة، هم فوق المساءلة، فوق القانون، لهم حرية الضغط على الزناد متى يشاؤون. في بيتنا إرهابيون، يقتلعون جذورنا وكواشين ميلادنا، يعبرنون أمكنتنا وما ينثال من ذكرياتنا، تهويد الأسماء والهواء والأحلام، صناعة رواية تلغينا من فصولها أحياءً وأمواتا وذاكرة. إرهابيون منفلتون من العقاب ومن المحاكمة العادلة، إرهابيون يؤسسون لدولة الأبرتهايد التي تمارس جرائم الفصل العنصري على مدار الساعة.

في بيتنا إرهابيون، يحاصروننا، لقمة العيش تخضع للمساومة، الحقوق القومية والكرامة الإنسانية تخضع للمقايضة، إنها العبودية، شروط التمويل لمؤسسات المجتمع المدني، الاشتراطات بدعم وكالة غوث اللاجئين، المال مقابل الرفاهية، المال مقابل استبدال مناهجنا المدرسية، المال مقابل الاستسلام، المال مقابل شطب خارطة فلسطين من الجغرافيا والتاريخ والمعرفة والعقول وروح المقاومة.

في بيتنا إرهابيون، اقتادوا كل الشعب الفلسطيني إلى قاعة المحكمة العسكرية: من هدموا بيته وسلبوا ارضه، من ألقى حجرا أو أطلق أغنية للحرية من زرع قمحا وعانق سنبلة، من حفر بئرا أو أسقى شجرة، ومن لم يرسلوه إلى سنوات المؤبد في السجن. أرسلوه إلى سنوات الاعتقال الإداري غير المحددة، محاكمات تعسفية صورية غير عادلة، محاكمات تشكل غطاء للجرائم الإنسانية الممنهجة المتواصلة.

في بيتنا إرهابيون، لا يعترفون بالتنمية والديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، لا ينتمون للمجتمع الإنساني، وحوش آدمية تسعى لتقويض حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة المكفولة بالشرعية الدولية والقانون الدولي.

في بيتنا إرهابيون، يسعون لتبييض الاحتلال وتحويل الضحايا إلى مجرمين، تشويه نضال الشعب الفلسطيني، ملاحقة المؤسسات التي تطالب بمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ملاحقة التقرير والصوت والصورة، اخفاء الحقائق الدموية المرعبة على الأرض تحت سطوة العسكرة والتطرف والهيمنة.

في بيتنا إرهابيون، يحتفلون بالحرب والدم وينتشون، طقوس مافيا وعصابات تستهدف المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته، يكرهون الفكر والمرأة والتعددية ويعشقون البندقية، إرهابيون خارج الحضارة البشرية، لا مجتمع مدني في إسرائيل، إنه مجتمع العسكر والمحاربين، يكرهون محمود درويش وجبل صبيح وحي الشيخ جراح، وزقزقة العصافير بين الغيوم.