تتجه العديد من البلدان لإجراءات إغلاق وتدابير حجر صحي بدرجات متفاوتة لمواجهة موجة جديدة من جائحة كورونا، ومع تضافر المعطيات التي تشير لتراجع الرهانات على التطعيمات السابقة في مواجهة السلالات الجديدة المتحورة من الفيروس، يتزايد الارتباك واليأس حول تجاوز البشرية لهذه المحنة قريبًا.
ما سيرد في السطور التالية ليست تفاصيل طبية معقدة يمكن تجنبها وتركها للأخصائيين، فقد ولى ذلك الزمن الذي يمكننا فيه ترك "الصحة" للمختصين، ناهيك عن أن هذه المقولة لم تكن ابدًا في ترجمتها العملية تعني إعطاء القرار بشأن الصحة للأطباء، بل تركه لمن يتحكم في القطاع الصحي والخدمات الطبية، والشركات ولوبيات صناعة الدواء ومدراء الموازنات الذين حددوا على الدوام ما مقدار الصحة الذي نستحق أن نتمتع به.
فشل التطعيم السابق في منح حصانة طويلة المدى للبشر، أي هزيمة الفيروس، لم يكن خلل في نوعية التطعيم أو عجز علمي وطبي، بل هو نتاج لقرار سياسي ومالي لا زالت نقاشاته تدور حتى اللحظة في العواصم الغربية الرئيسية.
ما تحتاجه البشرية لهزيمة الفيروس هو تطعيم غالبية سكان الكوكب، وحرمان الفيروس من فرصة الانتقال من جسد لآخر والتحور والتطور وإنتاج سلالات جديدة تتغلب على التطعيم، وهو ما تعذر بسبب إصرار الشركات المحتكرة للتطعيم على عدم منح حق إنتاجه لشركات أخرى خصوصًا في تلك الدول الفقيرة التي لم تستطع استيراد التطعيم ودفع ثمن ملايين الجرعات منه: الهند وجنوب أفريقيا والعديد من الدول التي جاءت منها الطفرات الجديدة للفيروس، لم تكن مذنبة أو مهملة في إجراءاتها الصحية، ولكن عدم قدرتها على الحصول على التطعيم بأعداد معقولة، أو على إنتاجه محليًا نتج بالأساس عن الإصرار على احتكار إنتاج وبيع العقار من قبل الشركات الرئيسية في المركز الغربي.
منذ بدايات صعود الهيمنة الرأسمالية وقيادتها للعالم، لم تربح البشرية معركة قط في مواجهة أي خصم محتمل، حيث خسرنا المعركة مع الاحتباس الحراري، وفي مواجهة عشرات الأمراض التي ما زالت الموازنات المخصصة للبحث العلمي والرعاية الطبية ضئيلة جدًا، بما يقود لتدني مستمر في فرص البشر بمواجهة الأمراض، بما في ذلك التطور المستمر للفايروسات والذي يستدعي إحداث قفزات هائلة في البحث العلمي.
هناك مثال قد يساعدنا في فهم هذا الجانب، منذ مطلع القرن العشرين حققت المنظومة المهيمنة على العالم قفزات هائلة في التصنيع العسكري، حيث صنعت قنابل نووية وأسلحة كفيلة بتدمير الكوكب لمئات المرات، وقتل كل فرد فيه على حدة أيضًا، أدوات للموت الجماعي والفردي، وموارد تقنية هائلة توظيف في سبل الإبادة والتجسس والهيمنة والاستغلال والنهب، في المقابل حين بدأت جائحة كورونا لجأت البشرية لذات الوصفات البدائية التي تعاملت فيها مع جائحة الانفلونزا الإسبانية مطلع القرن العشرين.
ما ندركه اليوم أن أعمارنا تنتقص بفعل الجشع الرأسمالي ورغبة طغمة في زيادة أرباحها، وأننا قد نسجن في البيوت مجددًا لعام آخر أو عامين على فترات أو بشكل متصل، لأن هناك من اختار أن يحقق مزيداً من الأرباح.. ما نتمناه هو أقل عدد من الضحايا وما يتمنوه ويعملوا لأجله هو أكبر قدر من الربح مهما كلف الأمر من أرواح بشرية