في أوج الخلاف المتفاقم في ليبيا حول مدى إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية الليبية المقررة يوم 24 من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وسط كم هائل من التحديات فاجأ محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجميع بتأكيده استمرار المجلس في إنجاز استحقاقات المرحلة وفقاً لخريطة الطريق، والمضي قدماً في مشروع المصالحة الوطنية، وبتأكيده أيضاً دعم الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي.
كثيرون ممن تابعوا هذه التصريحات؛ بل والتأكيدات تساءلوا من أين للرجل كل هذا اليقين وهو يرى ويعلم تداعي أمل الليبيين في إنهاء مسلسل «المراحل الانتقالية» والخروج من نفق التشظي والانقسام، واندفاع البلاد نحو شرخ اجتماعي جديد تمتد تداعياته إلى كل مكونات المجتمع الليبي بسبب الانقسام الحاد حول موضوع الانتخابات، سواء الانقسام حول ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى أم لا؟، والانقسام الحاد بين المناطق الليبية وفق شخصيات المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية بين مرشحي تيار الشرق الليبي وعلى رأسهم خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وعقيلة صالح، وتيار الغرب الليبي وعلى رأسهم عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
لكن الانقسام الأهم هو التحديات الهائلة المنتظرة التي تنتظر خريطة الطريق تلك والمصالحة الوطنية في حال إجراء الانتخابات وسط كل تلك الصراعات سواء داخل ليبيا أو من أطراف خارجية صاحبة مصلحة في إبقاء ليبيا «مشروع مصالح متصارعة» للقوى الإقليمية والدولية، ومدى قبول كل هؤلاء لنتائج تلك الانتخابات. فهل سيقبل حفتر مثلاً أن يصبح رئيساً؟ وهل سيرضى الدبيبة أن يكون حفتر أو سيف الإسلام رئيساً؟
الأيام الماضية شهدت حصاراً لمبنى محكمة «سبها» لمنع القضاء من دخول المحكمة والنظر في الطعن المقدم من محامي سيف الإسلام ضد استبعاده مما تسبب في تأجيل النظر في هذا الطعن، في الوقت الذي توعد فيه «القذاذفة» السلطات الليبية بعواقب وخيمة في حال استبعاد سيف الإسلام القذافي، واتهموا مفوضية الانتخابات ب «تسييس» الاستحقاق الانتخابي، ثم عودة المحكمة بقبول ترشيحه.
في ظل هذا المناخ سيبقى الصراع الجوهري داخل ليبيا قائماً حول مشروعية قانون الانتخابات الرئاسية ومدى التزام مفوضية الانتخابات وكذلك القضاء بهذا القانون، ناهيك عن عدم وجود أساس قانوني يمكن أن يكون أساساً لإجراء الانتخابات وأن يكون معياراً للحكم على صلاحية قانون الانتخابات من عدمه وفقاً لتوافقه أو لتعارضه مع الدستور.
ويستدل أصحاب هذه القناعات ب «هزلية» القانون بتجاوزه الصارخ من عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة، الذي تعمد مع زملائه في سلطة الحكم بعدم الترشح للانتخابات، كما أنه وجه انتقادات صارخة لقانون الانتخابات الرئاسية، معتبراً أنه «جرى تفصيله لمصلحة خليفة حفتر» لكنه فاجأ الجميع بترشحه للانتخابات في خطوة بالغة الدلالة حول عمق الصراع السياسي المنتظر في ليبيا والمرشح للتفاقم بسبب عجز المجتمع الدولي عن معاقبة من يعرقلون إجراء الانتخابات، وبسبب عمق تدخل قوى إقليمية ودولية في الأحداث المتعاقبة داخل ليبيا، وخاصة في الانتخابات، ناهيك عن الانحياز الأمريكي المعلن لحتمية إجراء الانتخابات.
مناخ شديد التعقيد أجبر المبعوث الدولي إلى ليبيا «يان كوبيش» على الاستقالة من مهمته بشكل مفاجئ «كرد فعل على عدم دعم العواصم الغربية له بشكل كافٍ»، وكلها مؤشرات تؤكد أن خريطة الطريق المأمولة باتت مهددة من الداخل الليبي ومن خارج ليبيا، وأن الانتخابات الرئاسية ستكون علامة فارقة على تحولات مهمة سوف تشهدها ليبيا.