Menu

السرقة كعنف ضد المرأة

اوقفوا العنف ضد المرأة

دعاء أبو جزر

لم تتوقع أن زوجها وشريك عمرها لأكثر من ثلاثة عقود, بإمكانه أن يتخلَّى عنها بلحظةِ ضعفٍ منها، ويسرِق كل الذكريات الجميلة التي جمعتهم وشقاء عمرها الذي حصدته، ليتركها هارباً دون أن يلتفِت لما سيصيبها بسبب فعلته.

"صباح" مُعلِّمة في احدى المدارس بالمناطق الجنوبية لقطاع غزة، وأم لولدين وثلاث بنات، تروي قصتها عن العنف الأسري، وتقول"كان يوماً أسود عُدت من عملي مُتأخرة ولم أكن قد أعددت غذاء أسرتي، دقائق وبدأت حالة الطوارئ لدي،وبدأت بتجهيزه وأثناء إعداده انفجرت (طنجرة الضغط) وأصابتني في منطقة الوجه والصَّدر، حتى فقدت الوعي".

أفاقت صباح من غيبوبتها وهي ملقاه على إحدى سرر المشفى، فوجدت آثار الحروق ظاهرة ومؤلمة على وجهها وجسدها، وتتابع "حينما أفقت وجت حينها الجميع حولي، زوجي أولادي وعائلتي وأشقائي جميعهم كانوا برفقتي، ولمست حرصهم ووجعهم تجاهي،فكان هذا أكثر ما كان يُخفِّف من حدَّة الوجع والحرق التي أشعر بها في كل ثانية وبدأت عروض علاجي تتعدَّد".

إصابتها جعلتها ترقد في سرير المرض دون استطاعتها الخروج من المنزل لتلقي راتبها الشهري من وظيفتها، فكان لا بد أن يذهب أحد بدلاً منها لتلقي الراتب، فتقول "أسبوع من حادثتي حتى نزل راتبي، فلم أجد أفضل من زوجي لأستأمنه على ما تبقَّى من حياتي وشقاء عمري بأكمله، حضر المُحامي ووقَّعتُ على وكالة له تقضي باستلامه كل ما يتعلق باسمي من راتب ومدخرات وصار له الحق كاملاً بالإنابة عني سارية المفعول مع  أوَّلَ شهرٍ من الحادثة".

تشد صباح على أصابع يديها شبه الميتتين وتبتسم بوجع  وهى تُحاوِلُ جاهدةً لجم صورة العنف  الذي عاشته، وتقول "بدأت حالتي تزداد سوءاً يوماً بعدَ يوم خاصة وأن آثار الحروق بدت واضحةً للأعمى، ووصلت للدرجة الثالثة في وجهي ومناطق من جسدي لذلك قدَّمنا تصريح للعلاج داخل الأراضي المحتلة، وقد جاء الرد بالقبول لدخولي دون زوجي لذلك سافرت ووالدتي وبقي هو لرعاية الأولاد والمنزل إلى حين عودتي".

تتابع حديثها"مرَّت الأيام الثلاثة بتواصل كامل بيني وبين زوجي، حتى اختفى عن السؤال فجأة، فحاولت الاتصال به لكن لم تصلني إلا أرقام عائلتي دونه، وعند سؤالي عن أسباب عدم اتصاله  كانت إجابتهم بانشغالاته وعدم رؤيته منذ أيام، وكون الصغار بمنزل أهلي فلم أشعر بأي خوف عليه، ولم أفكر بشيء عدا سلامتي وعودتي للبيت وأبنائي حتَّى انقطع صوته بالكامل، ولم أتمكن من التواصل معه، وما بين معاناتي وغيابه كان شعور الموت من يُلاحقني حتى انتهت فترت العلاج بمرحلتها الأولى،وعند عودتي بدأت بالسؤال عنه وعن سبب انقطاعه فجأة حتَّى كانت الفاجعة(سحب فلوس البنك وباع البيت وشرد على مصر)".

تنهمر دموع صباح, "لم أصدِّق الرواية،فكان بالنسبة لي كل الروح، فطيلة ثمانية عشر عام من زواجنا ونقودنا واحدة،ولم أفكر بشيء، واشتريت له سيارة وعمل عليها على الخط وتشاركنا بشراء المنزل ولم أفكر بكتابة نصفه باسمي وتركت له وكالة راتبي لأجازي وفي مرضي ومحنتي وحاجتي اليه بهروبه للخارج" .

الصدمة التي تعرضت لها صباح جعلتها تائهة بين مرضها وما فعله زوجها بها وبأبنائها، فتقول "عدت من جديد لأبحث بغيابه، لم أعلم بماذا أفكر بمرضى أو بالبحث عنه، لدرجة أننا لم نترك مكان إلا وسألنا عنه، حتَّى تأكَّد لنا وعن طريق المعارف أنَّه سافر الى جمهوريَّة مصر العربية  ويسكن بأحد الأحياء هناك، وهنا فقدت وعيي ولم أتمالك نفسي لأدخل في حالة انهيارٍ عصبي وأرفض استكمال علاجي لفترةٍ من الزمن،وأصبحت شبه معزولة عن العالم".

تغرق صباح بالصمت وكأنَّها اختصرت حياتها بقصَّةٍ شبه ميِّتة، تستعيد القوة وتكمل، "عدت لمنزل أهلي أجرُّ أعباء الحياة وأضيفها إليهم، لم أعد أشعر بطعم الحياة، وعدت لبناء عمري من جديد لأعيــل أبنائي وأتكفَّل بهم كأم وأب وصاحبة مسئولية ثقيلة".

المحامية  سماح عاشور،أوضحت أنَّ المحاكم الفلسطينيَّة بدأت وفي السنوات الأخيرة تعُج بالقضايا التي تتعلَّق بعنف الزوج، فيما يتعلَّق بالنصب المالي لاسيَّما بعد تراكم سقف البطالة وعدد العاطلين عن العمل، وأصبح الاعتماد بجزء كبير على النساء خاصة العاملات منهنَّ.

وأكَّدت الأستاذة عاشور، فيما يتعلق بقصة "صباح" أنَّ المُشكلة تكمُن في سفره،ولكن بإمكانها رفع قضيَّة وحصر الأموال التي تمَّ الاستيلاء عليها من قبل زوجها، واستعادتها حال عودته من الخارج إلى أرض الوطن، قائلة "القانون بمقدوره انصافها واستعادة حقوقها خاصة وأنَّ زوجها وكيل عن أموالها وليس صاحب المال".

وعلى أمل عودته تبقى"صباح" ترقب أن يأتي اليوم الذي يعود فيه زوجها، لا لتسامح وتغفر له النار التي أشعلها بها وبحياتها وحياة أبنائها وبناتها، وانَّما لتطالب القضاء الفلسطيني بإنصافها واستعادة كافة حقوقها التي سلبها إيها في لحظة مرض ألمت بها.

**تم انتاج هذه المادة في إطار مشروع "أوقفوا العنف ضد النساء" الذي ينفذه مركز الاعلام المجتمعي (CMC) بالشراكة مع الأمم المتحدة الاستئمانية لانهاء العنف ضد النساء (UNTF)