من يتابع مسار المفاوضات بين القوى الدولية المهيمنة و إيران حول البرنامج النووي الإيراني، يدرك الكثير عن حجم الغبن في هذا العالم، حيث تصطف مجموعة من الدول الكبرى المسلحة نوويًا لتفاوض إيران حول مشروعها الذي لم يكتمل لإنتاج طاقة نووية لأغراض مدنية، وهنا تصبح الأسئلة عن الشرعية والعدل هزلية وليست حالمة فحسب.
الحقيقة إنه بالنسبة للإيرانيين هذه ليست مفاوضات حول البرنامج النووي، بل حول رفع الحصار، ومن خلالها تفاوض إيران على حق سيادي لها وهو حيازة الطاقة النووية، مقابل رفع العقوبات المفروضة على شعبها، والتي قادت فعليًا خلال أكثر من 4 عقود إلى هلاك الكثير من الإيرانيين، فتأثير العقوبات والحصار يطال قطاعات الصحة والتعليم والنقل الجوي والمواصلات، ويعيق مسيرة البلد نحو التنمية وتوفير خدمات حقيقية لمواطنيها. إن المعادلة التي صاغتها القوى الغربية تجاه إيران منذ تحررها من نظام حكم الشاه والهيمنة الغربية، ليست سابقة تاريخية أو مستحدثة في تعامل هذه الدول المهيمنة على العالم، فمجرد خروج إيران من سيطرة حاكمها المستبد الموالي للغرب كان كفيلًا بفرض عقوبات قاسية عليها، وتنفيذ سلسلة من محاولات الانقلاب، ناهيك عن التهديد الدائم بالغزو والضربات العسكرية، هذا أيضًا ترافق مع تصعيد مستمر لهذه العقوبات كلما رفضت إيران تسليم سيادتها واستقلالها لمصلحة هذه القوى، هذا المثال ذاته كان حاضرًا في تعامل الغربي مع عشرات الدول حول العالم، فإما أن تسلم بلادك للخضوع المذل والهيمنة والاختراق، وترهن مواقفها وتسمح بنهب ثرواتها واستخدامها منطلق للعدوان على غيرها، أو تواجه بحرب على هذه الشاكلة.
الإشكال ليس في قدرة الإيراني على مواجهة هذه الضغوط، ولكن في حقيقة أن الدول التي بقيت تحاول مواجهتها محدودة العدد بالفعل، وجميعها محاصرة بدرجات متفاوتة، وأن محيطها المعرض لذات الظروف، اي نحن العرب في حالة إيران مثلًا، تتورط حكوماتنا في كل أشكال التحريض والعداء ضد الجار المحاصر، لا لاعتبار إلا انفاذ السياسات والاملاءات الأمريكية والتفاني في إظهار الانسجام معها، بحيث باتت عديد من النظم العربية - أو هكذا يبدو- تصدق فعلًا أن إيران خطر عليها وأن الولايات المتحدة هي حليفتها.. نعم نحن نتحدث هنا عن الولايات المتحدة ذاتها التي قتلت ملايين من شعوب هذه المنطقة وعشرات الملايين حول العالم، هذه حليفتهم التي يفترض أن تدرأ عنا الأخطار وتحمينا من شعوب محاصرة في جوارنا، تقاسمنا معها تاريخ طويل من المعاناة من الغزو والعداء الإمبريالي.
تلك الخلاصات العجائبية، تبدو كنتيجة محتومة حين تصاغ السياسات العربية حسب أهواء ومصالح شريحة ضيقة من الحكام والنخب المسيطرة، التي ربطت مصالحها ووجودها ومصيرها بما يخالف إرادة وحقوق شعوبها، وباتت فعلًا تستند في وجودها الهش للحراسة الغربية الإمبريالية، بل وباتت تتسابق على التحالف مع العدو الصهيوني كتعبير عن هذا الولاء للمنظومة الغربية وإمعانًا في العداء لشعوبها وكل شعوب المنطقة.