Menu

إنكار الجريمة والإطاحة بتيدي كاتز

لم يعد بإمكان "إسرائيل" دفن مذبحة الطنطورة

بوابة الهدف الإخبارية - ترجمة وتحرير أحمد مصطفى جابر

[فيما يلي ترجمة  المقال الذي كتبه المؤرخ إيلان بابه، ونشر في "ميدل إيست آي" تعليقا عن الكشوفات الأخيرة الإضافية عن مذبحة الطنطورة على يد جنود الكتيبة 33 من لوءا اسكندروني الصهيوني ليلة ونهار 22 أيار / مايو 1948 وبعد شهر من مذبحة دير ياسين- المحرر].

في أواخر التسعينيات، كنت أدرس في جامعة حيفا، و كانت " النكبة " واحدة من أكثر وحداتي التدريسية شيوعًا، والتي، عندما كان الضغط من الجامعة أكبر من أن أتحمله، كان لا بد من إعادة صياغتها على أنها "تاريخ 1948 وتأريخها". وقد طلبت من الطلاب كمهمة رئيسية البحث عما حدث عام 1948 في الأماكن التي عاشوا فيها أو ولدوا فيها.

كان هناك طالب غير عادي، أكبر مني، وهو كيبوتسنيك تام [من سكان الكيبوتسات نموذجي ومنتم لها أيدلوجيا] ، الذي كان يرتدي السراويل القصيرة حتى في أبرد أيام السنة بشارب ضخم مثل شارب ستالين. تجاوب بلهفة مع المهمة ووجد أن كيبوتس ماجال، حيث كان يعيش، قد تأسس على أنقاض قرية زيت. وبسذاجة، حاول دعوة الناجين من نكبة عام 1948 لزيارة الكيبوتس والتحدث مع المستوطنين الذين اجتاحوا قريتهم، لكنه تعرض للاحتقار والتوبيخ من قبل زملائه الكيبوتسيين.

أراد الطالب تيدي كاتز مواصلة استكشاف عام 1948 من أجل أطروحة الماجستير، واقترحت كتابة تاريخ مصغر للقرى المتضررة من النكبة. و اختار خمسة منها جنوب حيفا وعلى ساحل البحر المتوسط. رفضت أن أكون مشرفًا عليه لأنني كنت بالفعل على خلاف مع الجامعة حول كيفية التدريس والبحث في تاريخ فلسطين ، لذلك اختار مشرفين رئيسيين.

حصلت الأطروحة على درجة عالية بشكل استثنائي، وكشف فصلها الرابع من خلال وثائق ومقابلات مع جنود وفلسطينيين أنه في مايو 1948 ارتكب "الجيش الإسرائيلي" مذبحة في قرية طنطورة جنوب حيفا - وهي جريمة حرب ظهر معظمها، ولكن ليس كل تاريخ النكبة المعروف حتى ذلك الوقت.

كانت هناك 60 ساعة من المقابلات حول الطنطورة ووثائق أظهرتأن حوالي 200 قروي إما أصيبوا بالرصاص بدم بارد أو قتلوا على أيدي جنود غاضبين اقتحموا القرية ردًا على مقتل حوالي ثمانية من زملائهم الجنود، وصف شهود عيان يهود وفلسطينيين عمليات الإعدام بشكل واضح وألمح إليها في الوثائق، التي وصفت أيضًا مقابر جماعية تم حفرها بالقرب من مقبرة حيث يوجد اليوم موقف سيارات للكيبوتس مبني على أنقاض الطنطورة.

تصاعد الضغط

لم يكن كاتس ملزمًا بتسجيل مقابلاته، لكنه شاركها مع من أراد الاستماع، بما في ذلك أنا - وما زلت أملك نسخًا من كل الـ 60 ساعة، نفس الجنود الذين اعترفوا بارتكاب المذبحة أصيبوا بالرعب عندما علموا أن أحد الصحفيين وجد أطروحة كاتس مثيرة للاهتمام ونشر النتائج التي توصل إليها في صحيفة معاريف اليومية. تحت ضغط من قدامى المحاربين الآخرين، وبمساعدة محام على صلة وثيقة بالجامعة، ذهبوا إلى المحكمة وأنكروا الأدلة التي قدموها، ورفعوا دعوى ضد كاتس بتهمة التشهير.

طلبت سلطات الجامعة من كاتس تسليم شرائطه، وكان ذلك أول خطأ يرتكبه، لم يكن ملزمًا بذلك، على أساس الأشرطة وبعض التناقضات الطفيفة بين المقابلات ونسخها في الأطروحة - كانت هناك ست حالات من هذا القبيل من بين مئات الاقتباسات - ذهب المحاربون القدامى إلى المحكمة، وأعلنت الجامعة رفضها للدفاع عن أطروحة كاتس الممتازة.

[ثم تكشفت مأساة يونانية ألمت بكاتز]: تحت ضغط من عائلته، وبعد تجربة مروعة خلال اليوم الأول في المحكمة، اقتنع كاتس بكتابة اعتراف ستاليني بالتلفيق المتعمد لحقيقة الطنطورة، و ندم على ذلك بعد ساعات قليلة، لكن الأوان كان قد فات، والمراحل التالية كانت حتمية.

أرغمته المحكمة على دفع نفقات الادعاء، وأصبح منبوذًا في كيبوتسه، وطالبت الجامعة بأطروحة جديدة كتبها، مضيفا المزيد من الأدلة القوية حول المذبحة - وعلى الرغم من اجتيازه، إلا أنه حصل على درجة أقل ، وتم حذف أطروحته من المكتبة. و ليس من المستغرب، وسط كل الضغوط، أنه أصيب بجلطتين، واليوم هذا الشخص الذي كان نشيطا في يوم من الأيام على كرسي متحرك.

حملة نزع الشرعية

حدث كل هذا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبذلت كل ما في وسعي لتشجيع الجامعة على تغيير موقفها - وهي حملة كلفتني وظيفتي في النهاية، على الرغم من أنني كنت محاضرًا ثابتًا. كما نشرت مقالاً بالعبرية أفاد بحدوث مذبحة في القرية، لكن لم يجرؤ أحد على أخذي إلى المحكمة.

في ذلك الوقت، سخر الإعلام "الإسرائيلي" والمؤسسة الأكاديمية في أحسن الأحوال مني ومن كاتس، في أسوأ الأحوال، وصفونا بالخونة، وتستمر حملة نزع الشرعية عن عملي من قبل المؤرخين "الإسرائيليين" البارزين حتى يومنا هذا، ويتم ثني الطلاب عن استخدام أعمالي، وبالكاد يمكنك العثور عليها في المكتبات، وتشق المراجعات السيئة أحيانًا طريقها إلى الصحف المحلية، على الرغم من عدم قبولها من قبل المجتمع الدولي.

الآن، تمكن المخرج السينمائي ألون شوارتز أخيرًا من اللحاق بالأبطال اليهود في هذه المأساة اليونانية. و اعترف بعضهم أمام الكاميرا بأن كاتس قال الحقيقة وسجل بأمانة روايتهم للأحداث في عام 1948. وبمساعدة التكنولوجيا المتطورة، تمكن شوارز من الكشف عن المقابر الجماعية، وحث القاضية التي كانت جالسة في المحاكمة الأصلية للاعتراف بأنها لم تستمع إلى الأشرطة. بعد الاستماع إلى شريط واحد في الفيلم، اعترفت أن الحكم كان يمكن أن يكون مختلفًا تمامًا.

في كل هذا يجب ألا ننسى ما هو مهم.، كانت المذبحة جزءًا من جريمة شاملة ضد الإنسانية ارتكبتها "إسرائيل" في عام 1948 وما زالت ترتكبها حتى يومنا هذا - وهي جريمة لا تزال تُنكر على نطاق واسع. والأفلام أو الأطروحات من قبل يهود "إسرائيليين" ضميريين لا تكفي لتصحيح هذه الجريمة.

الخاتمة الوحيدة المناسبة لهذا الإجرام المستمر هو إنهاء الاستعمار لكل فلسطين التاريخية، والتنفيذ الكامل لحق العودة، في فلسطين الحرة والديمقراطية، يمكن أن يكون النصب التذكاري في طنطورة تذكيرًا مفيدًا بالماضي، لكن عندما يظهر فقط على صفحات الصحف الصهيونية الليبرالية مثل هآرتس، فإنه يضيف إهانة للضرر، دون تصحيح أكثر واقعية لشرور الماضي.

*إيلان بابيه أستاذ التاريخ ومدير المركز الأوروبي لدراسات فلسطين والمدير المشارك لمركز إكستر للدراسات العرقية والسياسية في جامعة إكستر.