Menu

التصعيدُ سيّدُ الموقف بين روسيا والولايات المتّحدة.. أوكرانيا لم تتعظ من درس جورجيا

عليان عليان

نشر هذا المقال في العدد 34 من مجلة الهدف الإلكترونية

تتّجهُ الأمورُ بين روسيا والولاياتِ المتّحدة وحلف الناتو إلى مزيدٍ من التصعيد، وباتت تنذر بحدوثِ حربٍ إقليميّة، قد تتطوّر إلى ما هو أخطر من ذلك تجاهَ حربٍ نوويّة، جرّاءَ عدم تراجع الإدارة الأمريكيّة عن خطّطها بضمّ أوكرانيا إلى حلف الناتو، وعدم استجابتها وعدم استجابة الحلف للشروط والمطالب الروسيّة، بشأن الضمانات المكتوبة التي ينبغي تقديمها لروسيا بشأن أمنها، وجرّاءَ استمرار القوّات الأوكرانية بمهاجمة إقليم دونباس في الشرق الأوكراني الذي يقطنه أوكرانيون من أصلٍ روسيٍّ  بالأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة، في مخالفةٍ لاتّفاق مينسك عام 2015.

وفي اللقاءات الثلاثة التي جمعت المفاوض الروسي سيرغي ريابكوف، مع نائب وزير الخارجيّة الأمريكيّ ويندي شيرمان في التاسع من شهر كانون الثاني الجاري، وفي اللقاء الثاني مع حلف الأطلسي في 11-1-2022، وفي اللقاء الثالث مع منظّمة الأمن والتعاون الأوروبيّ بتاريخ 12-1- 2022، رفضت الأطرافُ الغربيّةُ الثلاثةُ ما جاء في الورقة الروسيّة بشأن الضمانات الأمنيّة المطلوبة لنزع فتيل الأزمة الأوكرانيّة، وعلى رأسها منع تمدّد الحلف إلى أوكرانيا، وعدم انضمام دولٍ من الجمهوريّات السابقة للاتّحاد السوفيتي إلى الحلف.

خلاصةُ مفاوضاتٍ جنيف

يمكن هنا تسجيلُ خلاصةِ اللقاءات التفاوضيّة الثلاثة فيما يلي:

1- وفقًا لتصريحات  نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف؛ فإنّ المباحثات بين روسيا من جهةٍ وبين الولايات المتّحدة وحلف الناتو ومنظّمة الأمن والتعاون الأوروبيّ من جهةٍ أخرى، لم تحقّق أيَّ تقدّمٍ في مسألة عدم توسُّع حلف شمال الأطلسي تجاهَ أوكرانيا، وبقيّة الدول التي كانت جزءًا من الاتّحاد السوفياتي، وأنّه تمّ تحذير الولايات المتّحدة والناتو من أنّهما قد يشهدان تدهورًا في الوضع الأمني، إذا لم يأخذا الضمانات الأمنيّة الروسيّة على محمل الجد، وأنّ القيادة الروسية قد تلجأ إلى وسائلَ أخرى لضمان التوازن في حال عدم الاتفاق.

2- المفاوض الروسي أكّد أن انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى حلف الناتو هو مسألةُ أمنٍ قوميٍّ لروسيا، وأنه من الضروري للغاية بالنسبة إلينا التأكّدُ من أنَّ أوكرانيا لن تصبح أبدًا عضوًا في الناتو.

3- عدم حصول روسيا على ضماناتٍ قانونيّةٍ مكتوبةٍ بشأن عدم نشر أسلحةٍ هجوميّةٍ ضاربةٍ عند الحدود الأوكرانيّة الروسيّة، فضلًا عن رفض "التطوير المادي لأراضي الدول التي انضمّت إلى حلف الناتو، ناهيك عن استمرار الأمين العام لحلف الناتو "ينس ستولتنبرغ" في إطلاق التصريحات بشأن تطوير قدرات أوكرانيا العسكرية، وأنه يعمل معها للوصول إلى العضوية الكاملة في الحلف.

4- المفاوضة الأمريكيّة ويندي شيرمان والأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ أكّدا "أنَّ واشنطن وحلف الناتو لن يسمحا لأحدٍ بأن يغلق باب الانضمام إلى حلف الناتو في وجه أيِّ دولةٍ"، في فترة ما بعد عام 1997، ورفضا دعوات موسكو استبعاد انضمام أوكرانيا مستقبلًا إلى الحلف، وأكّدا أنّ حلف الأطلسي لن يساوم على حقّ أوكرانيا في اختيار طريقها، ولن يساوم على حق الناتو في حماية جميع الحلفاء والدفاع عنهم، ولن يساوم على حقيقةٍ مفادها أن لدى الناتو شراكة مع أوكرانيا.

ومن يتابع تطورات الموقف بعد مباحثات جنيف، يرى أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يصعّدان من موقفها السياسي والعسكري ضد روسيا، فوزير الخارجية الأمريكي أعلن أن واشنطن لن تقدّم ردًّا خطيًّا على مطالب روسيا، وأنّه إذا اختارت موسكو تجديد العدوان على أوكرانيا، فسوف يترتّب على ذلك تبعاتٌ خطيرة، كما أكّد أنّه ناقش مع الحلفاء في "الناتو" سبل الردّ على التعزيزات العسكريّة الروسيّة، في حين راح الرئيس الأمريكيّ جو بايدن يلوّح بسيف العقوبات إذا ما غزت روسا أوكرانيا، مؤكّدًا أن البنوك الروسية لن تكون قادرةً على التعامل بالدولار إذا تم غزو كييف، وأن الولايات المتحدة ستزيد المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

الحضورُ العسكريّ الروسيّ الفاعل في مواجهة قعقعة السلاح الأمريكية

الدولُ الغربيّةُ في ضغطها على روسيا تلجأ إلى قعقعة السلاح، متوقعةً أن هذه القعقعة ستربك روسيا، وتدفعها للتراجع عن شروطها الأمنية، فنرى السفن الحربية الأمريكية تقترب من شبه جزيرة القرم، ونرى الطيران الحربي الأمريكي في أجواء بحر البلطيق والبحر الأسود يقترب من المياه الإقليمية لروسيا، التي تتصدى له وتجبره على الانسحاب، ونرى كل من بريطانيا وفرنسا ترسلان فرقاطتين مسلحتين إلى البحر الأسود قرب الحدود الروسية، في حين تستعد إسبانيا لإرسال سفنٍ حربيةٍ إلى البحر الأسود.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد أعلنت الإدارة الأمريكية بأنها تزود أوكرانيا بأسلحةٍ متطوّرةٍ، مثل الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، وبالقذائف المضادة للدروع، وأنها أرسلت وترسل مستشارين ومدربين عسكريين، في حين ترى مصادر روسية أن الولايات المتحدة ترسل قوات أمريكية وأطلسية إلى أوكرانيا تحت عنوان "مستشارين ومدربين" وأنّها بصدد إقامة قواعد عسكرية لها في أوكرانيا.

وروسيا بالمقابل في مواجهة قعقعة السلاح، تنشر قوّاتها المجحفلة على الحدود مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم، وتكشف عن سلاحٍ صاروخيٍّ متطوّرٍ لا يضاهيه سلاحٌ صاروخيٌّ في العالم، إذ أعلن الرئيس بوتين أن روسيا اختبرت بنجاحٍ أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت وتصل إلى 9 ماخ، محذّرًا من عواقب نشر أسلحةٍ ومنظوماتٍ هجوميةٍ في أوكرانيا قائلًا: "إن الوقت الذي تستغرقه هذه الصواريخ الجديدة لتصل إلى أهدافها المفترضة وإلى الجهات التي تصدر هذه الأوامر إلى أوكرانيا خمس دقائق – وذلك في إشارةٍ إلى العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن.

ولم تكتف روسيا بذلك، بل باشرت بإرسال قاذفات قنابل استراتيجيةٍ بعيدة المدى من طراز "تو - 22 أم 3. للانضمامِ إلى دوريات حراسة المجال الجوي على طول الحدود الغربية  لجمهورية بيلا روسيا مع بولندا الروسية،كما أرسلت كتيبتين S400 لجمهورية بيلا روسيا لإقامة مناورات على  حدودها الغربية.

لقد فات دول حلف الناتو أن تدرك ومن واقع التجربة أن قعقعة السلاح لا تهز شعرةً في رأس الثلاثي "بوتين وسيرغي شويغو وسيرجو لافروف"، خاصةً وأن " الناتو" سبق أن وقف عاجزًا عندما تدخّلت عسكريًّا روسيا لصالح كل من أوسيتيا وأبخازيا وحقهما في تقرير المصير، وسلخهما عن جورجيا التي اصطفت في خندق الناتو، ووقف عاجزًا عندما ضمّ الرئيس بوتين شبه جزيرة القرم للاتحاد الروسي، إثر قيام الثورة الملونة في أوكرانيا المدعومة من الغرب الرأسمالي.

إلى أين تتّجهُ الأمورُ في الأزمة الأوكرانية؟

لقد باتت روسيا  تنتظر الردّ الأمريكي على الضمانات بشكلٍ مكتوبٍ خلال فترة لا تتجاوز  نهاية شهر كانون ثاني (يناير ) 2022، حسب الاتفاق الذي تم بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي سيرجي لافروف وبلينكن في لقائهما الأخير بجنيف بتاريخ 21-1-2022، الذي وصف بأنه لقاءُ  الفرصة الأخيرة ، فإذا كان الردّ ينطوي على مساومةٍ مفادُها سحبُ الجيش الروسي من الحدود مع أوكرانيا، وتعهّدُ روسيا بعدم غزو أوكرانيا مقابل تعهّد أمريكا والناتو بعدم ضمّ الناتو لأوكرانيا، ولدول الاتّحاد السوفياتي السابق، يصبح بالإمكان نزع فتيل الأزمة.

وإذا كان الردّ الأمريكي ظلَّ على حاله، بشأن الاستمرار في دعم أوكرانيا عسكريًّا دون الإعلان عن ضمها لحلف الناتو، فإن موسكو  قد تعمل على إدارة الأزمة بجرأةٍ وذكاءٍ دون اللجوء في هذه المرحلة إلى اجتياح الشرق الأوكراني، كأن تقوم بتسخين الجبهة مع أوكرانيا، من خلال تقديم الدعم العسكري لإقليم دونباس الأوكراني دون اللجوء إلى اجتياحه، وإنجاز ما يطلق عليه معارك بين الحروب في أكثر من منطقة في مواجهة الحضور العسكري الأمريكي، وذلك من أجل تحييد العيد من الدول الأوروبية، التي بدأت تتذمّر من التنمّر الأمريكي والأطلسي على روسيا، ومن تغييبها عن المفاوضات بشكلٍ مستقلٍّ مع روسيا.

فالتكتيكُ السياسيُّ العسكريُّ الروسي، يرتبط بموقف دولتين رئيسيتين في الاتحاد الأوروبي، وهما ألمانيا وفرنسا، خاصةً بعد تصريحات كلٍّ من وزيرة الدفاع الألمانية "كريستين لامبريخت" وقائد قوات ألمانيا البحرية "كاي أخيم شونباخ"، فوزيرة الدفاع أعلنت "أنّ تسليم الأسلحة لأوكرانيا لن يكون مفيدًا في الوقت الحالي، وأنّ حكومةً بلادها أجمعت على ذلك، وأنّها تنحاز إلى تخفيض التصعيد بين أوكرانيا وروسيا"، كما عبّرت عن تحفّظ  ألمانيا حيال توجه واشنطن بفصل روسيا عن منظومة "سويفت" المصرفية، مشيرةً إلى أن النهج الأمريكي والأطلسي حيال أوكرانيا لا يتوافق مع مستوى علاقات ألمانيا مع مختلف الأطراف ومع  الوضع الأمني الحالي، وأن فكرة اندلاع حربٍ في وسط أوروبا، بمبادرةٍ من روسيا، وإمكان إقامة تعاونٍ اقتصاديّ في الوقت نفسه؛ هي فكرةٌ عبثيةٌ".... أما قائد القوات البحرية الألماني، فقد صرّح، خلال زيارةٍ للهند، إنّ "شبه جزيرة القرم لن تعود إلى أوكرانيا"، مضيفًا أنَّه "لا يؤمن بقرب هجومٍ روسيٍّ وشيكٍ على أوكرانيا".

يضاف إلى ذلك أن الرئيس الفرنسي رغم مجاراته لواشنطن بإرسال سفنٍ حربيةٍ إلى البحر الأسود، فقد راح يخاطب البرلمان الأوربي في 18-1-22 بقوله: "إنّ روسيا مهمة لنا من أجل تسوية الكثير من الصراعات، وإنّه يتعين على دول الاتحاد الأوروبي تطويرُ مقترحات النظام الأمني الجديد، ثم مناقشتها مع حلف الناتو، ومن ثم يجري اقتراحها على روسيا ".

لكنْ في مرحلةٍ لاحقة، إذا غامرت الولايات المتحدة وحلف الناتو وقاما بضمّ أوكرانيا للحلف، فإنّ الأمور قد تأخذ منحى تصعيديًّا خطيرًا، تجاهَ حربٍ إقليميّة، إذ يتوقّع المراقبون، أنّ روسيا لن تتوانى عن اجتياح الشرق الأوكراني، وإعلان "دونباس" جمهوريةً مستقلّةً على غرار ما حصل مع كلٍّ من: شبه جزيرة القرم وأبخازيا وأوسيتيا.

فالرئيس الروسي يدير الأزمة مع الإدارة الأمريكية و"حلف الناتو" بدبلوماسيةٍ مقرونة ً بالتحدي، إذ سبق وأن أكد بأن ضم أوكرانيا لحلف الأطلسي خطٌّ أحمر، ورفض بشدةٍ توسّعَ حلف شمال الأطلسي شرقًا، واتّهم الغربيين بالحقد والكذب على بلاده، ومضايقتها إلى حدّ أنهم وصلوا لعتبة بابنا قائلًا: "إن الأمريكيين كذبوا علينا بوقاحةٍ، ووسّعوا الناتو شرقًا تجاه حدودنا الغربية على 5 مراحل".

وفي عبارةٍ ذات دلالةٍ ومغزًى أمنيٍّ واستراتيجيّ قال الرئيس بوتين: "على دول الغرب أن تتذكر بأن الاتحاد السوفياتي هو من صنع أوكرانيا، وأنّها جزءٌ من محور النفوذ الروسي، ولا يمكن أن تضم قواعد عسكرية للغرب.