Menu

قتلة الشعوب: حين تحاضرنا الرأسمالية حول اللاسامية

بوابة الهدف الإخبارية

خاص_بوابة الهدف

حرست النظم الرأسمالية "الديمقراطية" صعود النازية، وعقدت صفقاتها تباعًا معه على حساب شعوب الدول التي تم تسليمها للحكم النازي تباعًا، ولم تمضِ لقتاله إلا حين شب الوحش عن الطوق وأشعل حربًا عالمية، مهددًا عواصم النظم الرأسمالية ومسقطًا بعضها، ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها وضب قادة "العالم الحر" أجندتهم، استقطاب "الموارد البشرية النازية" من عسكريين وأمنيين ومهندسيين وصناع لآلة الحرب، وتحضير لخطة للحرب على الاتحاد السوفياتي تشمل إبادة نصف من تبقى من سكانه بعد المواجهة مع النازيين التي دفع فيها السوفيات الثمن الأعلى من الأرواح والدمار لبلادهم.

هذه "الديمقراطيات" قررت طي صفحة الحساب مع نازييها، فنظمت محاكمات صورية تحت ضغط مطالب السوفيات وغيرهم من الشعوب التي فتك بها النازيون، حيث لم تطال المحاكمات إلا بضع مئات من مجرمي الحرب، مقابل ٥٠ مليون حوكم مئات من النازيين فقط المسؤولين عن أكبر مجزرة في تاريخ البشرية، ذلك لأن نظم الحلف الغربي الرأسمالي أرادت الحفاظ على "ألمانيا" ضمن معسكرها في مواجهة السوفيات.

لماذا نسترجع هذا التاريخ؟ لاعتبار بسيط وأساسي وهو أن هذه الوضاعة الرأسمالية المهيمنة على العالم، تشن حملات منظمة لمنع أي جهود مضادة للمشروع الصهيوني، وتوجه منظوماتها الأمنية والقانونية والثقافية في خدمة مطالب العدو الصهيوني. في ألمانيا تواصلت السياسات المعادية لحقوق الإنسان بحجة مكافحة اللاسامية، يتم تكميم الأفواه وملاحقة الموظفين وفصلهم بناء على هذه المعايير، وتعمل الصحافة كما الأحزاب ونظام الحكم كجهاز للرقابة والقمع ضد كل ما هو منافي للدعاية الصهيونية، وفي فرنسا وبقية الدول الأوروبية الحال ليس أفضل، فلقد واصلت فرنسا حملاتها ضد الجمعيات والقوى المؤيدة للحقوق الفلسطينية أو المناهضة لجرائم الحرب والعنصرية الصهيونية وغيرها من الجرائم الاستعمارية. وما لا تطاله قوانين وذرائع مكافحة الإرهاب، يتم مهاجمته بذريعة اللاسامية.

إن شركاء الوحشية النازية في جرائمها من رأسماليي هذا العالم، هم آخر من يحق له إعطاء الدروس فيما يتعلق بمعاداة السامية والجرائم التي جرت في العهد النازي وما زالت بناها وامتدادتها قائمة داخل المنظومة الرأسمالية الاستعمارية الحالية، وأن مكاتفة ودعم المشروع الصهيوني اليوم ليس إلا انخراط في هذا المضمار الذي لم ينتج إلا الدمار للإنسانية، ولطالما وقع عبئه على عاتق الشعوب الفقيرة والمعرضة للتغول الاستعماري، واستفادت منه القلة الرأسمالية المهيمنة على هذا العالم.

كضحايا للمشروع الاستعماري، نحن أبناء العالم الفقير والمنهوب والذين قاتلناه على كل شبر من هذا الأرض، ليس لدينا ما نخجل منه أو نعتذر عنه بشأن الجرائم النازية ومعاداة السامية أو الإرهاب، وليس هناك مساحة حقيقية لنخاطب هؤلاء القتلة الاستعماريين من موقع يتوسل إدراك معاناتنا، فصناع الجرائم والحروب والقتل هؤلاء لا يدركون إلا معادلات القوة، قوة نتلمسها بتحالفنا مع من هم مثلنا من المحرومين والمضطهدين في هذا العالم، ولم نستخدمها يوما إلا في إطار الدفاع عن وجودنا وحقوقنا.

لم نحمل يومًا عقدًا عنصرية تجاه أي شعب أو مكون إنساني، ولم نقاتل إلا في صراع أشعله هؤلاء القتلة المجرمين من مصاصي دماء الشعوب، حين غذوا الغزو الاستعماري الصهيوني لبلادنا، وعملوا على توظيفه في خدمة هيمنتهم على منطقتنا والعالم بأسره.

إن دماء شهدائنا تصطف بجانب دماء أؤلئك الذين قاتلوا الظلم والعدوان، كما موقفنا واصطفافنا اليوم في مواجهة مستعمرين غزاة لا يطؤون بلادنا إلا لنهبها وزراعة الموت فيها، ولا ينتجون في بلادهم إلا بيئة وظروف حاضنة للعنصرية والتعصب والتطرف، ما زالت تشكل تهديدًا لكل ما هو إنساني في هذا العالم.