Menu

بين ارادة المقاومة ومطرقة الاحتلال وسندان الهوان السياسي والانقسام الفلسطيني

الانتفاضةالفلسطينية الثالثة

وديع ابو هاني

الانتفاضة

الانتفاضةالفلسطينية الثالثة

بين ارادة  المقاومة ومطرقة الاحتلال وسندان الهوان السياسي والانقسام الفلسطيني

طوت الانتفاضة الفلسطينية شهرها الثاني وتتقدم بثقة معمدة طريقها واستمرارها بعشرات الشهداء والاف الجرحى والاعتقالات العشوائية واحتجاز جثامين الشهداء من كل الاعمار متسلحة بعنفوان وحماسة واقدام الشباب الفلسطيني طارحةً سؤالاً مشروعاً عن المسار والمصير لهذه الانتفاضة في ظل اوضاع فلسطينية متردية داخلياً على صعيد المؤسسة الرسمية وفي ظل ظروف وانشغالات الاقليم والشارع العربي بشقيه الرسمي والشعبي بأولوياته وجراحه المثقلة 0حيث لم ترتقي المراجعة الفلسطينية حتى الأن الى مستوى التحصين والحماية للانتفاضة وتوفير مرتكزاتها الغائبة حتى اللحظة على المستوى السياسي والتنظيمي والكفاحي والاقتصادي حيث لم تزل محاولات الذبح السياسي العسكري للانتفاضة قائمة وامكانية اجهاضها ووأدها على رأس جدول اعمال القوى المعادية اذا لم تسرع القيادة الفلسطينية للقطع مع نهج وعقلية الانقسام والمفاوضات.

ان من شأن توفير مقومات ومرتكزات دعم الانتفاضة ما يفسح الطريق لمفاعيلها واقترابها من تحقيق العديد من الاهداف القريبة المباشرة والبعيدة الاستراتيجية 0 المتمثلة بالنهاية بالخلاص من الاحتلال والاستيطان وتحقيق عنصري الاستقلال والسيادة للشعب والوطن .صحيح ان الانتفاضة الثالثة التي تدخل شهرها الثالث لم تأتي من فراغ ولم ترعد في سماء صافية ،بل في واقع من التلبد والغيوم الداكنة التي راكمت عوامل الاحباط واليأس والهجرة والحصار والانقسام جراء الاداء القيادي الفلسطيني البائس وواقع الحال الفلسطيني المحتقن والساخط 0لذلك جاءت شرارة القدس لتحرق السهل الفلسطيني كله ورسمت مجدداً حدود الوطن من الجورة في بئر السبع والنقب الى اراضي وتواجد شعبنا في مناطق 1948 مروراً بغزة المحاصرة وصولاً للضفة والقدس ،مترافقة مع تحركات الاسناد والدعم في مواقع اللجوء والمهاجر لتطرح بقوة الرواية والتغريبة الفلسطينية لجهة وحدة المصير والارض والشعب والحقوق . ولتقدم القضية الفلسطينية التي تراجعت وغيبت عقوداُ من على جدول اعمال واحداث العالم الى موقع الاهتمام والصدارة ،حيث خرج الالاف في شوارع العالم مؤيدين ومناصرين للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وانساني عادلة رافعين الشعارات واليافطات التي تدين الاحتلال وجرائمه .

الانتفاضة الثالثة تجاوزت حالة الجدل لجهة وصفها او عفويتها ومحاولات تسقيفها الزمني والسياسي من خلال استمرارها وشعاراتها لتؤكد انها عصية عن الكسر والاجهاض حتى الان اذا ما توفرت لها عناصر وعوامل الديمومة لتفتح افاق لتطورها  مستفيدة من تجارب ودروس الانتفاضات السابقة وهي تقدم نموذجاً وجيلاً جديدين .ومفاجأت واعمال انتفاضية ومنسوب كفاحي واستعدادات عالية للتضحية رغم اختلال موازين القوى والظروف المجافية التي تحيط بالانتفاضة بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام .

ان توفر عنصر الوعي السياسي الوطني فيها والاستمرارية والشمول لكافة الاراضي الفلسطينية تفرض مسؤوليات ومهام وطنية لجهة المباشرة لانهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية وتجاوز تركة ومخلفات ونفايات اوسلو واتفاقاته الامنية والسياسية والاقتصادية .

ان الوحدة في الميدان حتى الان واستعدادات الشباب الفلسطيني للتحدي والمواجهة لا تعفي احد من مسؤولياته الوطنية والتاريخية لجهة ضرورة توفير المرتكزات الوحدوية السياسية والتنظيمية والكفاحية والاقتصادية للانتفاضة والمنتفضين لقطع الطريق أمام محاولات اختراق الانتفاضة من الداخل والخارج 0الهادفة لاجهاضها ومنعها من تحقيق اهدافها المعلنة 0الامر الذي يتطلب الحفاظ على الطابع الشعبي للاعمال والمظاهر الانتفاضية كخيار وضرورة لتشمل عموم الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني من خلال مهام وبرنامج نضالي متناغم منسجم يعمق مجرى الانتفاضة وشعارات موحدة تؤدي بالنهاية لزوال الاحتلال ورحيل المستوطنين وتفكيك المستوطنات واستحالة التعايش مع الجدار والاستيطان والاحتلال .

ان توسيع المشاركة من قبل قطاعات وفئات الشعب الفلسطيني وتعزيز الطابع الشعبي للانتفاضة يجب الا يتعارض وتحت أي ذرائع مع كافة اشكال واساليب النضال الاخرى التي تؤلم العدو وتجعل وجوده واحتلاله مكلفاً بشرياً واقتصادياً .واستخدام الاسلحة المتاحة في الزمان والمكان المناسبين لجهة التأثير المعنوي والنفسي على الجبهة الداخلية للعدو وارباكه ودب الرعب في اوساطه .فالحاخامات الصهاينة شكلوا العقل المتوحش والمتطرف داخل المجتمع الصهيوني واستهدافهم هو استهداف رأس ايديولوجيتهم العنصرية .حيث يمارس الاحتلال سياسة الارض المحروقة بحق الارض والشعب .

للاطمئنان على مستقبل ومصير الانتفاضة يفترض بلورة مطالبها واهدافها الموحدة .باعتبارها  جولة من جولات الصراع التي ستتوالد .ولن ينتهي هذا الصراع مع الكيان الغاصب باعتباره صراع وجود لا تحله تسويات واتفاقات .

التحديات والمهام العاجلة التي تطرحها الانتفاضة الفلسطينية الثالثة :

اولاً- القطع التام والنهائي مع مسار التفاوض والانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية .وهذا يشترط توحيد الموقف والقرار والخطاب الفلسطيني كمؤسسة جامعة وبقيادة موحدة وبالتئام فوري للاطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتطبيق الاتفاقات السابقة ( وثيقة الاسرى – اتفاق القاهرة – قرارات المجلس المركزي الاخير اذار 2015) وتتويج الوحدة الوطنية بمجلس وطني توحيدي يستوعب ويضم كافة مكونات الشعب الفلسطيني الوطنية والاجتماعية والنقابية .فالجميع شركاء في حماية الوطن- شركاء في الدم- شركاء في القرار . والانتقال من الوحدة الميدانية الى وحدة وطنية متسلحة برؤية سياسية مشتركة تحدد اهداف النضال وترسم التكتيكات والمهام اليومية للانتفاضة.

ثانياً- تجديد البنى ودمقرطة مؤسسات المجتمع الفلسطيني اينما تواجد واشاعة مناخات الحرية والديمقراطية والشفافية وتأصيل الثقافة الوطنية والاعتراف بدور الشباب الفلسطيني واشراكهم الفعلي في مواقع القرار والمسؤولية فهم عماد ومادة الانتفاضة ومستقبل الوطن .وهذا التحدي يطرح ضرورة تجديد حال القوى والفصائل الفلسطينية قبل فوات الاوان حيث تواجه سؤال الوجود والمستقبل جراء حالة التراجع والتآكل التي أصابت اوضاعها، فالتشويه للحالة الوطنية ومكوناتها السياسية طال الدور والمكانة ما يفسح المجال لملء هذا الفراغ من قوى جديدة وثقافات بديلة او معادية .

ثالثاً- استعادة مكانة ودور م ت ف وخطها الوطني كإطار وطني جامع وممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، ومعالجة هموم ومعضلات الشعب الفلسطيني في ظل ما تتعرض له المخيمات واللاجئين من تدمير وتهجير لخيرة شبابه ما يهدد فعلياً قضية اللاجئين وحقهم بالعودة ويفسح المجال لشطب القرار 194

رابعاً- التعاطي مع اعلان الدولة الفلسطينية وعضوية فلسطين في المؤسسات الدولية كاستحقاق كفاحي نضالي وتجسيد فك الارتباط مع الاحتلال وممارسة السيادة الوطنية وتوفير الوحدة القانونية والجغرافية للوطن الفلسطيني وتجاوز تقسيمات اوسلو لمناطق ( أ- ب – ج ) . تعبيراً عن وحدة الارض والشعب والحقوق .عبر انهاء الرهان على الرعاية الامريكية والرباعية الدولية للعملية السياسية والمبادرة الفرنسية وغيرها. وتفعيل قرارات الامم المتحدة ذات الصلة وفي مقدمتها قرار محكمة لاهاي وصولاً للقرار 194عبر الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام للقضية الفلسطينية لتنفيذ القرارات ذات الصلة وتأمين الحماية الدولية المؤقتة للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال لحين ممارسته لحقه وسيادته في تقرير مصيره.

خامساً- الحذر من محاولات تديين الخطاب والوعي الفلسطيني والاعمال الانتفاضية لجهة حصر قضية القدس والاقصى كسجادة صلاة وقضية دينية على حساب كونها العاصمة السياسية الابدية للشعب الفلسطيني ودولته المستقلة و محاولات تدعيش او تديين السكين الفلسطيني . ما يفتح المجال لتشويه النضال الوطني ويلحق الضرر السياسي الاعلامي بنضالات وتضحيات الشباب المنتفض .

سادساً- اعادة النظر بالاتفاقات المبرمة مع الاحتلال والعقيدة الامنية وثقافة دايتون وممارسات الأجهزة الامنية والسلطة من اعتقال ومطاردة ومضايقات بحيث تشكل وتصبح الاجهزة رديف كفاحي لحماية الشعب الفلسطيني والدفاع عن الوطن وانهاء كافة اشكال التنسيق الفردي والجماعي العلني والسري مع الاحتلال . وعدم الاكتفاء بدورها بحمل النعوش وقطف الزيتون وصولاً للمشاركة الكفاحية في حراسة القرى والمؤسسات والمنتفضين والتصدي لقطعان المستوطنين وحماية الممتلكات الوطنية العامة والشخصية . وصولاً للفعل المقاوم في صفوف الشعب والانتفاضة .

سابعاً- اعادة تفعيل الخطاب والحضور القومي الموجه للجماهير العربية رغم انشغالات واولويات الشعوب العربية باعتبار القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمة العربية في محاولات البعض تشويه وفك العلاقة مع قضية وحقوق الشعب الفلسطيني .

ثامناً- تفعيل دورنا وحضورنا على صعيد الرأي العام الدولي والتأثير في مواقع القرار للحكومات الغربية والمؤسسات الدولية مناصرة لقضايانا التحررية الانسانية العادلة وتضييق الخناق والمقاطعة السياسية والاقتصادية والاكاديمية مع الاحتلال والمستوطنات والمستوطنين واقتصاده وملاحقة رموزه ومحاكمتهم .

ان من شأن توفير عناصر القوة والوحدة الفلسطينية وتوظيفها ما يفتح الافاق لتطور منسوب وموجات الانتفاضة والكفاح الفلسطيني المقاوم بما يقربنا من ساعة الخلاص من الاحتلال وصولاً للاستقلال والحرية والعودة .