Menu

انعكاساتُ الأزمةِ الأوكرانيّةِ على سوريّة في مواجهةِ الاعتداءاتِ الإسرائيليّةِ والاحتلالينِ: الأمريكي والتركي

عليان عليان

نشر في العدد 36 من مجلة الهدف الرقمية

متغيّراتٌ جديدةٌ لاحت في الأفقِ لصالحِ سوريّة العروبة؛ للخروجِ من أزمتها الاقتصاديّة الناجمة بشكلٍ رئيسيٍّ عن عقوباتِ قانونِ قيصرِ الأمريكي، وللتخلّص من الاحتلالين؛ التركي والأميركي لمناطقَ واسعةٍ في الشرق والشمال السوري، ولوضع حدٍّ للاعتداءاتِ الأميركيّة والإسرائيليّة على مناطقَ مختلفةٍ في سوريّة. وأبرزُ هذهِ المتغيّرات يكمنُ في العمليّة العسكريّة الروسيّة الجراحيّة الخاصّة في أوكرانيا، وتوقيع بيان التفاهم الاستراتيجي بين الاتّحاد الروسي والصين من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ؛ إثرَ زيارة الرئيس بوتين للعاصمة الصينيّة بكين في الرابع من شهر شباط (فبراير) الماضي.

فالعمليّةُ العسكريّةُ الروسيّة، أحدثت فرزًا في العلاقات الروسيّة مع مختلِف دول العالم ومع دول الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ما سينعكس بالتأكيد على مواقف روسيا من الدول المعادية لسوريّة، وإجراء مراجعةٍ لموقفها البراغماتي حيالَ تركيا والكيان الصهيوني الذي ألحق أضرارًا كبيرةً بسوريّة.

وبشأن متغيّر الأزمة الأوكرانيّة نشيرُ إلى ما يلي:

أوّلًا: الموقفُ الإسرائيليّ المنحاز للحكومة الأوكرانيّة ولحلف الناتو وللولايات المتّحدة الذي تبدّى فيما يلي:

1- بيانٌ مبكرٌ لوزير خارجية الكيان الصهيوني يائير لابيد جاء فيه "إنّنا في إسرائيلَ سنقفُ إلى جانب حليفنا التقليدي، أيّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة في الأزمة الأوكرانيّة، ولا يُمكن أن نتخلّى عنه في هذه الظّروف الصّعبة".

2- تصويت إسرائيل المكلّل بالفرح في إدانة العمليّة العسكريّة الروسيّة في الجمعيّة العامة، الذي تبدّى في عناق مندوب إسرائيل لنظيره الأوكراني، أمامَ وسائل الإعلام العالميّة احتِفالًا بفوز القرار الأمريكي بأغلبيّةٍ ملموسة، لم يفسح المجال لحكومة العدوّ أن تلعب على الحبال، ما دفع الرئيس الروسي لرفض التعامل مع إسرائيل وسيطًا بشكلٍ مطلق.

ثانيًا: الموقف التركي من الأزمة الأوكرانيّة الذي تبدّى فيما يلي:

1- إدانة تركيا للعمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا، وفي تزويدها لأوكرانيا ب (500) طائرة بيرقدار مسيرة تشترك يوميًّا في العمليّات العسكريّة ضدَّ القوّات الروسيّة، ناهيك عن استمرار أردوغان في موقفه المندّد بضمّ جمهوريّة القرم للاتّحاد الروسي عام 2014، ومطالبته بعودة "القرم" لأوكرانيا.

2- الانتقاد الذي وجّهه أردوغان لحلف الأطلسي في أنّ الحلف لم يتحرّك عسكريًّا لدعم أوكرانيا، وأن دول الحلف اكتفت بالإدلاء بتصريحاتٍ دون أيّ إجراءٍ فعليٍّ، ومناشدته الحلفَ أن يتّخذ مواقفَ عمليّةً وعدم الاكتفاء بالعقوبات.

3- إعلان الرئيس أردوغان عن وقف السماح للسفن الحربيّة بالمرور عبرَ مضيقي البوسفور والدردنيل في زمن الحرب، التزامًا ببنود اتفاقيّة مونترو لعام 1936، والمقصود بشكلٍ رئيسيٍّ هنا السفن الحربيّة الروسيّة.

4- ما طرحه الرئيس أردوغان أمامَ رئيس الكيان الصهيوني حاييم هرتزوغ إبّانَ زيارة الأخير لأنقرة في التاسع من مارس (آذار الجاري) بشأن مدّ خط أنابيبَ لنقل الغاز الإسرائيلي (الفلسطيني) إلى أوروبا عبرَ تركيا، بديلًا للغاز الروسي الذي يشكّل 40 في المائة من استهلاك أوروبا للغاز.

يضاف إلى ذلك، ما لم يُكشف النقابُ عنه في لقاء أردوغان مع هرتزوغ، وجرى تسريبه للصحافة، الذي تضمّن البحث في إقامة تحالفٍ تركيٍّ إسرائيليٍّ  لمواجهة السيناريوهات الروسيّة المحتملة في سوريّة.

5- كشف مصادرَ عسكريّةٍ روسيّةٍ لزيارة مسؤولين أمنيين أتراك وأوكرانيين لشمال سورية، لتجنيد الآلاف من الفصائل العسكريّة والإرهابيّة الموالية لتركيا، للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني. 

روسيا استلمت رسالة الانحياز الإسرائيلي للولايات المتّحدة ولحلف الناتو، ولم تكترث للألعاب البهلوانيّة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بشأن أن يكون وسيطًا في الأزمة الأوكرانيّة بين كلٍّ من روسيا وأوكرانيا. كما استلمت رسالة الانحياز التركيّة لكلٍّ من أوكرانيا وللولايات المتّحدة وحلف الناتو، ولم يغيّر من واقع الانحياز التركي، محاولة تركيا تأدية دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا من خلال استضافة وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في مدينة مالطا، لبحث سبل إيجاد حلٍّ دبلوماسيٍّ للأزمة المتفاقمة.

الموقف الروسي من الكيان الصهيوني

 لقد عبّرت روسيا ميدانيًّا عن امتعاضها وغضبها من الموقفين؛ الإسرائيلي والتركي، عبرَ مواقفَ داعمةٍ لسوريّة في مواجهة الكيان الصهيوني وتركيا أبرزها:

1-إعلان وزارة الدفاع الروسيّة، أنّ الطائرات الروسيّة "سو 35" وطائرات الميج السوريّة قامت بدورياتٍ مشتركةٍ على طول الحدود السورية بقيادة سورية، وأنّ مسار هذه الدوريات امتدّ على طول مرتفعات الجولان، ثمّ على طول الحدود الجنوبيّة، وعلى طول نهر الفرات والمناطق الشماليّة من سوريا.

"وحسب العديد من المراقبين فإنّ أصداء الإعلان الروسي والأجواء التي أثارها في (إسرائيل)، جرى التعبير عنها على مستوياتٍ متعدّدة، وإن بقيت التصريحات والمواقف الرسمية غائبةً حتى الآن، وانصبّ الجهد الأساس على فكّ رموز الرسالة الروسيّة، والجهات والساحات المعنية بها، في حين أشار معلّقون إسرائيليونَ إلى أن "من المهم للروس أن يوضحوا أن الأجواء السورية ليست سائبةً، وهم يعملون على إعادة بناء نظام الأسد من جديد".

 كما أنّ هذا الإعلان بمثابة رسالة تهديدٍ لكلٍّ من الولايات المتّحدة وتركيا، أنّ روسيا و سوريا أمامَ مرحلةٍ جديدةٍ عنوانُها: وقوف روسيا إلى جانب سوريّة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة، ولتحرير أراضيها ليس فقط من فصائل الإرهاب، بل من الاحتلالين؛ الأميركي والتركي.

2- بات من شبه المؤكّد أن روسيا ستغادر موقفها السابق الذي كان يرفض التصدّي للاعتداءات الإسرائيليّة، بذريعة أن تدخلها العسكريّ في سورية لصالح النظام منذ سبتمبر (أيلول) 2015 جاء في مواجهة الإرهاب، وليس بهدف التدخّل في الصراع العربي الإسرائيلي، علمًا أنّ هذه الذريعة لا تنطلي على أي مراقب، بحكم أن العمليّات العدوانيّة المستمرّة على سورية كانت تستهدف دعم الجماعات الإرهابيّة في مواجهة الجيش العربي السوري وحلفائه.

وأوّل الغيث قطر ة في هذا الشأن، حين أعلنت الخارجيّة الروسيّة أنّ هضبة الجولان أراضٍ سوريّةٌ محتلّةٌ منذ عام 1967، ينبغي انسحاب قوات الاحتلال منها تنفيذًا لقرارات الشرعيّة الدوليّة، ناهيك أنّه ووفقًا لمصادرَ متعدّدة، بأنّ روسيا سترفع الحظر عن استخدام سوريّة لأسلحة الدفاع الجوي الروسيّة المتطوّرة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة مثل منظومة (S300)، وأنّ روسيا قامت بنشر قواتٍ تابعةٍ لها في ميناء اللاذقية لإنذار إسرائيل من الإقدام على أيّ قصفٍ له، باعتبار أن قصف الميناء هو قصفٌ للقوّات الروسيّة.

الموقف الروسي المتوقّع من الاحتلالين؛ التركي والأمريكي

1- بشأن الاحتلال التركي لمساحاتٍ واسعةٍ من الشمال السوري، فقد بات من المتوقّع أن تحسم روسيا موقفها من هذه المسألة، من خلال دعم مهمة الجيش العربي السوري وحلفائه  لتحرير الأراضي السوريّة من الوجود العسكري التركي، ردًّا على الموقف التركي المنحاز للناتو ولأوكرانيا، لا سيّما وأنّ روسيا هي من سمحت للقوّات التركيّة عام 2016، بدخول الشمال السوري عاملًا موازنًا لتحالف "قسد" مع قوات الاحتلال الأمريكيّة، وسمحت لها أيضًا بإقامة نقاطِ مراقبةٍ في ريف حلب الغربي وفي محافظة إدلب، في إطار اتفاقيّة خفض التصعيد الموقّع عليها مع موسكو وطهران.

3- بشأن الاحتلال الأمريكي لمناطقَ في الشرق السوري، فإنّ روسيا باتت تعمل على توسيع دائرة الصراع مع الولايات المتّحدة وحلفائها في سوريّة، عبرَ دعم عمليّات المقاومة والجيش العربيّ السوريّ في مواجهة الاحتلال الأمريكي، وبالمقابل عملت الإدارة الأمريكيّة وحلفاؤها أيضًا على تفعيل الصراع مع روسيا وسورية و إيران في سورية بدعمٍ وتدخّلٍ مباشرينِ من الكيان الصهيوني، وعبرَ استخدام إرهابيي داعش، الذي جرى نقلهم إلى قاعدة "التنف" على الحدود العراقية السورية الأردنية، ضدّ وحدات الجيش العربيّ السوري، ما يعني أنّ التفاهم بين موسكو وواشنطن بشأن عدم الاصطدام في الأجواء والأراضي السوريّة بات من الماضي.

الدعم السوريّ لروسيا في أوكرانيا

سوريّة من جانبها على وجه الخصوص ومحور المقاومة وعلى رأسه إيران بشكلٍ عامٍّ استثمرا الأزمة الراهنة في أوكرانيا، وعملتا على ردّ الجميل لروسيا، التي أدّت دورًا مركزيًّا في دعم الجيش العربيّ السوريّ لتحرير معظم الأراضي السوريّة، وذلك من خلال إعلان سورية دعمها للعمليّة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا، واعترافها بجمهوريتي دوناتسك ولوغانسك، ومن خلال ما جرى تسريبه أنّ الرئيس بشار الأسد وبالتنسيق مع طهران أبلغ وزير الدفاع الروسي  "سيرجي شويغو" أثناءَ زيارته لدمشق مؤخّرًا باستعدادهما إرسال آلاف المقاتلين السوريين ومن فصائل المقاومة، للقتال إلى جانب القوّات الشعبيّة في جمهوريتي دوناتسك ولوغانسك ضدّ الوحدات الأوكرانيّة النازيّة، وهو ما أفصح عنه الرئيس الروسي مؤخّرًا بأن 16 ألف مقاتلٍ عقائديٍّ من الشرق الأوسط وغيره في طريقهم للقتال إلى جانب جمهوريتي الدونباس، في مواجهة آلاف المرتزقة الذين يجري إرسالهم من 16 دولة لدعم نظام الحكم الدمية في أوكرانيا.

باختصارٍ شديد، فإنّ المواقف الروسيّة الداعمة لسورية، في ضوء الأزمة الأوكرانيّة والاصطفافات بشأنها، تشكّل مكاسبَ كبيرةً وصافيةً لسوريّة ولمحور المقاومة ومكاسبَ كبيرةً لإيران، التي اصطفّت هي الأخرى إلى جانب روسيا محمّلةً الولايات المتّحدة مسؤوليّةَ ما جرى في أوكرانيا، وخسارة كبيرة لكلٍّ من تركيا والكيان الصهيوني، إذ لم يعد بوسع هذا الكيان أن يمارس اعتداءاته على سورية وَفْقَ صمتٍ روسي، ولم يعد بوسع تركيا الاستمرار في احتلال مناطقَ في شمال سوريّة بذريعة مواجهة "قسد".

التحالفُ الصينيّ الروسيّ وبعده الجيوسياسيّ في سوريّة

وأخيرًا، لا بدَّ من التوقّف أمامَ المتغيّر الآخر ممثّلًا بالتحالف الروسيّ الصينيّ، الذي جرى تكريسه في البيان المشترك للرئيسين الروسي والصيني في الرابع من شباط (فبراير) الماضي، فهذا التحالف حتى يأخذ أبعاده الجيوسياسيّة في إطار إدارة الصراع مع الولايات المتّحدة لإنهاء هيمنتها على العالم، لا بدّ أن يمتدَّ إلى مناطقَ عديدةٍ في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينيّة.

وهنا تبرزُ أهميّةُ سوريّة للصين، بالإضافة لأهميتها الاستراتيجيّة المعروفة لروسيا، إذ أنّه ووَفْقًا لما أشار إليه بعض المحلّلين "فإنّ مستقبل سوريا مرتبطٌ بنتيجة الصراع في أوكرانيا" فقد تتحوّل الضغوط المتبادَلة بين الأميركيين والروس، الذين يؤازرهم الصينيون إلى الساحة السورية، وهي قد تحوّلت مبكرًا، وبتنا نلمسها بشكلٍ مباشر.

فروسيا بدعمها العسكريّ والسياسي لسوريا منذ بداية الأزمة السوريّة، والصين بدعمها السياسي لسوريّة ومشاركتها المتعدّدة لموسكو في الفيتو المزدوج ضدّ مشاريع القرارات في مجلس الأمن، لم يأتِ من فراغ، بل لأنّ المؤامرة على سوريّة تستهدف في التحليل النهائي مصالح روسيا والصين الأمنيّة والاقتصاديّة. فالصينُ التي اكتفت في المرحلة السابقة بدعم سوريّة سياسيًّا، انتقلت مؤخّرًا إلى دعمها اقتصاديًّا عبرَ توقيعها مع دمشق بروتوكولات للتعاون الاقتصادي، وباتت معنيةً بدعمها واستقرارها ارتباطًا بمصالحها الاقتصاديّة والأمنيّة، إذا أخذنا بنظر الاعتبار بأنّ الموانئ السوريّة تشكّل منفذًا استراتيجيًّا على البحر المتوسط لمبادرة الحزام والطريق الصينيّة.

وهكذا، فإنّ بوسع سورية أن تستفيد بشكلٍ كبيرٍ من متغيّر التحالف الروسي والصيني، من خلال تفعيل البروتوكولات الاقتصاديّة الموقّعة مع الصين، للخروج من أزمتها الاقتصاديّة الناجمة عن مفاعيل قانون قيصر الأمريكي، خاصّةً أنّ الصين تمتلك الإمكانات الاقتصاديّة والتكنولوجيّة كافةً، التي يمكن أن تتكامل مع الدعم الإيرانيّ الاقتصاديّ لسوريّة.