Menu

في الذكرى ال (47) ليوم الأرض: الشعب الفلسطيني يعيد الصراع إلى مربعه الأول

عليان عليان

إحياء ذكرى يوم الأرض، السابعة والأربعين، في أرجاء فلسطين التاريخية كافة وفي الشتات، يشكل قيمة نضالية رائعة، لما يتضمنه من تعبئة نضالية، ضد الاحتلال الصهيوني الجاثم على صدور الوطن والشعب، ولما يتضمنه من تفعيل وتنشيط، للذاكرة الجمعية الشعبية للأجيال الفلسطينية الجديدة، التي صنعت ملحمتي انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى، وهزمت العدوان على غزة  عام 2008- 2009 ، 2012 ، 2014، 2021 وكون  الفعل المقاوم على امتداد الوطن، والهبات الجماهيرية، تنطق بلغة التمرد والمقاومة وليس بلغة السلام المزعوم البائسة، التي لم تجلب سوى البؤس، على قضيتنا وعلى شعبنا.

والأهم من ذلك، أن يوم الأرض، رغم الاحتفال المناسبي به في الثلاثين من آذار من كل عام، إلا أنه في السياق النضالي، أصبح فعلاً نضالياً مستمراً في عموم فلسطين التاريخية سواءً في صمود الأهل في مناطق 1948 وخوضهم صراع البقاء، في الجليل، والمثلث، والنقب، وفي سائر المدن، والقرى الفلسطينية، أو في المقاومة المتصاعدة وفي الحراك الشعبي النضالي في الضفة الغربية، الذي بات أكثر إصراراً على المضي في الكفاح حتى دحر الاحتلال وإهالة التراب على اتفاقيات العار الموقعة مع العدو الصهيوني.

تحل الذكرى السابعة والأربعين ليوم الأرض المجيد، في ظل ظروف ومعطيات فلسطينية وعربية ودولية بالغة التعقيد، لكن التطور الأبرز يكمن في عاملين هما:

أولاً: تشكيل حكومة من غلاة اليمين الصهيوني، الذين يجاهرون ليس فقط بمصادرة المزيد من الأراضي والاستيطان، وتهويد القدس وتطبيق التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى بل باتوا يتحدثون عن ضم الضفة الغربية للكيان الصهيوني، وعن إنكار وجود الشعب الفلسطيني، ناهيك عن محاولاتهم اليائسة لتصفية المقاومة، تلك المحاولات التي باتت تتكسر تباعاً على صخرة المقاومة في جنين ونابلس وحوارة والقدس وأريحا وسائر المدن والبلدات والمخيمات في الضفة الفلسطينية.

ثانياً: أن الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الحية أعادت الاعتبار للصراع مع العدو الصهيوني بأنه صراع وجودي، وأن غاية الكفاح الفلسطيني تتمثل مجدداً في تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، وذلك في إطار إعادة الاعتبار لاستراتيجية الكفاح الوطني الفلسطيني الواردة في الميثاقين القومي والوطني الفلسطيني.

وقد تبدى هذا المعطى، بظاهرة المقاومة الفلسطينية المشتعلة في كافة أرجاء الضفة الغربية وخاصةً في محافظتي نابلس وجنين، وفي مناطق 1948، والتي جاءت لتبني على مخرجات معركة سيف القدس التاريخية عام 2021، ولتتصدى للمتغيرات الاقليمية والدولية بما في ذلك اتفاقيات التطبيع الابراهيميه التي وقعتها حكومة العدو الصهيوني مع بعض الأنظمة الوظيفية العربية، ولمخرجات قمم التآمر على المقاومة الفلسطينية في النقب، والعقبة وشرم الشيخ، ولتشكل إرباكاً استراتيجياً للعدو الصهيوني باعتراف العديد من القيادات الأمنية والسياسية الصهيونية، بعد أن أفشلت بجدارة خطة "كاسر الأمواج الصهيونية لحكومة  الائتلاف الصهيونية برئاسة لابيد، وبعد أن باشرت بتنفيذ عمليات نوعية جريئة ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في عهد حكومة تحالف اليمين الصهيوني المتطرف، حيث جاء عمليات حوارة البطولية لتضرب في الصميم منظومة الأمن الإسرائيلية.

يضاف إلى ما تقدم أن قوى أساسية في الساحة الفلسطينية وتحديداً " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " أجرت مراجعة نقدية للمرحلة الماضية في مؤتمرها الأخير، باتجاه رفض البرنامج المرحلي، وإعادة الاعتبار للهدف الاستراتيجي ممثلاً بهدف التحرير والعودة، بعد أن تبين أن ما يسمى "بالبرنامج المرحلي" كان مجرد غطاء تمويهي من قبل القيادة المتنفذة لتمرير المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية..

 لقد مرت القضية الفلسطينية، ولا تزال تمر بظروف صعبة جراء( أولاً) تساوق معظم أطراف النظام العربي الرسمي، مع صفقة القرن الأمريكية التي ألغت الحقوق الوطنية الفلسطينية واستبدلتها بالسلام الاقتصادي ، وشرعت الاستيطان في الضفة الغربية بالضد من قرارات الشرعية الدولية ( وثانياً) جراء استمرار رهان القيادة المتنفذة في منظمة التحرير على إدارة بايدن ووعودها السرابية حول "حل الدولتين"، رغم أن هذه الإدارة لم تتراجع عن مفردات صفقة القرن خاصةً فيما يتعلق بالقدس ( وثالثاً) جراء اندلاق معظم دول الخليج و السودان والمغرب للتطبيع مع العدو الصهيوني من موقع التبعية، بغطاء سياسي من جامعة الدول العربية ( ورابعاً) جراء تمسك القيادة المتنفذة في المنظمة والسلطة بذات النهج السياسي الذي جر الويلات على شعبنا وقضيتنا.

 فهذه القيادة لم ولن تستفد من تجاربها مع العدو الصهيوني ومع الإدارة الأمريكية، إذ أنه وبعد مرور (30) عاماً على اتفاقيات أوسلو، لا زالت تتمسك بهذه الاتفاقيات المذلة وبذات النهج الذي سهل مهمة العدو في الاستمرار في قضم الأرض والاستيطان، وفي استكمال تهويد القدس، وفي رفض حل الدولتين المزعوم، وفي تغيير المعادلة الديمغرافية والجغرافية في القدس لصالح اليهود.

ولم تكتف هذه القيادة المتنفذة بتشبثها بهذا النهج العبثي، بل أنها أوغلت في نهج التنسيق الأمني ما جعلها وكيلاً أمنياً للاحتلال، وخادماً أميناً لجهاز "الشاباك" الصهيوني في مطاردة رجال المقاومة وإلقاء القبض عليهم، والإبلاغ عن العمليات الفدائية قبل وقوعها.. الخ.

في ذكرى يوم الأرض: على فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وخاصة تلك التي لا زالت تنتمي لعالم اليسار والماركسية – ال لينين ية، أن تكف عن خطاب العلاقات العامة مع القيادة المتنفذة في السلطة والمنظمة، وأن تكف عن خطاب المناشدة لهما بمغادرة خيار أوسلو والتنسيق الأمني، ويتوجب عليها أن تبني على قراءتها الطبقية لهذه القيادة ونهجها،  وأن تسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية، في أن هذه القيادة لا تنتمي للمعسكر الوطني الملتزم بالثوابت الاستراتيجية الفلسطينية، وأنها معادية لهذه الاستراتيجية  ولطموحات وأهداف شعبنا الوطنية.

 نعم: على فصائل العمل الوطني  أن تسمي  الأمور بمسمياتها الحقيقية، فالقيادة التي تعترف بحق الكيان الصهيوني بالوجود، وتنسق أمنياً مع الاحتلال، وتؤكد على نبذ الإرهاب (المقاومة)، والتي أخضعت في اتفاق أوسلو (2) ( 60) في المائة من مساحة الضفة الغربية – والتي تضم ثروة الضفة المائية والزراعية- للسيطرة الإسرائيلية، ورهنت الاقتصاد الفلسطيني عبر اتفاق باريس للعدو الصهيوني، لا يمكن المراهنة عليها أن تعود عن نهجها ولا يمكن توقع بأنها ستقبل بإعادة بناء منظمة التحرير على أساس وطني ديمقراطي، إلا إذا ضمنت تسيد نهجها مجدداً في المنظمة ومؤسساتها.

في ذكرى يوم الأرض، لا بد من الإشارة إلى أن اتفاقيات أوسلو وما تفرع عنها لاحقاً شكلت غطاءً للتهويد والاستيطان، عندما رحلت قضيتي الاستيطان والقدس إلى مفاوضات الحل النهائي، دون أن تسندهما بقرارات الشرعية ذات الصلة التي تعتبر الاستيطان وضم القدس غير شرعي وباطل قانونياً.

لقد قطع الاستيطان شوطاً كبيراً بغطاء أوسلو، إذ إنه وفق تقرير مركز الابحاث التابع لموقع عرب 48، فإن عدد المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، تضاعف من 144 مستوطنة قبل توقيع اتفاق أوسلو إلى 515 مستوطنة وبؤرة استيطانية حتى أيلول/سبتمبر 2018 تضاعف عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بأكثر من ثلاث مرات وارتفع من 252000 قبل أوسلو إلى حوالي 834000 مستوطن اليوم؛ أكثر من نصفهم يعيشون في القدس ومحيطها.

ووفق تقرير مركز الابحاث التابع لموقع عرب 48، فإن مساحة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها لصالح المشروع الاستيطاني، والتي كانت تبلغ مساحتها قبل اتفاق أوسلو حوالي 136000 دونما أصبحت حوالي 500000 دونم أي بزيادة قدرها حوالي 368% مقارنة ما كانت عليه.

رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان قال، في بيان صدر بهذا الخصوص بتاريخ 29 مارس ( آذار) 2023، إن مساحة الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها دولة الاحتلال وتخضع للعديد من الإجراءات الاحتلالية تبلغ 2380 كم2، بما يعادل 42% من مجمل أراضي الضفة الغربية، و68.7% من مجمل المناطق المصنفة "ج"، وهي المناطق التي تخضع للحكم العسكري الاحتلالي "الإسرائيلي"، تبلغ مساحتها ما مجموعه 61% من مجمل مساحة الضفة الفلسطينية، في حين تبلغ مساحة المناطق المصنفة (أ) حوالي 1,000 كم2 أي ما نسبته 17.6% من مساحة الضفة الغربية. فيما بلغت نسبة المناطق المصنفة (ب) ما نسبته 18.4% من المساحة الإجمالية للضفة الغربية.

خلاصة: فإن الكيان الصهيوني وفق مختلف الاحصاءات، بات يضع يده على حوالي (52) في المائة من مساحة الضفة الغربية بشكل مباشر، تشمل المستوطنات والمستوطنات العشوائية، والبؤر الاستيطانية، والقواعد العسكرية المقامة على أراضي الضفة، والمناطق العسكرية المغلقة، والمناطق الخضراء، وشبكات الطرق الالتفافية للمستوطنات، والأراضي المصادرة لإقامة الجدار.

مهام مركزية للمرحلة الراهنة

في ضوء ما تقدم، من تحديات التهويد والاستيطان بغطاء من اتفاقيات ومعاهدات التسوية والتطبيع، على فصائل المقاومة أن تضع على رأس جدول أعمالها جملة من المهام أبرزها:

1- العمل على تشكيل قيادة موحدة للمقاومة (الانتفاضة) ببعديها العسكري والمقاومة الشعبية وتوفير مستلزمات إدامتها، في ضوء المواجهات اليومية مع الاحتلال على امتداد مساحة الضفة الفلسطينية، إذ أن تأخير تشكيلها، بات يطرح علامات استفهام بشأن ارتهان بعض الفصائل لقرار قيادة السلطة الفلسطينية بهذا الشأن.

2- تشكيل جبهة موحدة للمقاومة من القوى الوطنية والاسلامية على قاعدة وحدة الهدف الاستراتيجي بالاستناد إلى برنامج المقاومة.

2- ضرورة أن يكون لشعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948موقعاً مركزيا في المعادلة الفلسطينية على الصعيدين السياسي والتنظيمي، بعد الدور النضالي الكبير الذي مارسه أبناء شعبنا في مناطق 1948 إبان معركة سيف القدس وما بعدها.

3 - العمل على إسقاط نهج أوسلو والتنسيق الأمني ميدانيا، والتوقف عن مناشدة قيادة السلطة بمغادرة هذا النهج، بعد أن تبين عل مدى ( 30) عاماً إصرارها على هذا النهج ارتباطاً بمصالح طبقية ضيقة مع الاحتلال، على حساب الخيار الوطني.

5- أن تعلن فصائل المقاومة أنها جزء لا يتجزأ من محور المقاومة، الذي وفر لها سبل الصمود والانتصارات في كافة المواجهات مع الاحتلال، ومدها بالأسلحة الصاروخية وتقنياتها.

6- ضرورة الاستفادة من المتغيرات الدولية والإقليمية ممثلة بتداعيات الحرب الأوكرانية المندلعة بين روسيا وحلف الناتو، والاتفاق الاستراتيجي الروسي- الصيني، والتقارب الروسي الإيراني، والاتفاق السعودي – الإيراني بوساطة صينية، لخدمة القضية الفلسطينية، خاصةً وأن هذه المتغيرات تبشر بولادة نظام عالمي جديد  متعدد الأقطاب، يضع حداً للهيمنة الأمريكية على العالم، ما ينعكس سلباً على الكيان الصهيوني.