في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1949م، وقعت مجزرة "الدوايمة" التي وقعت في القرية الفلسطينيّة الواقعة غرب محافظة الخليل، على يد العصابات الصهيونيّة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 170 شخصًا من سكّان القرية، وإصابة المئات، عدا عن تهجير آخرين وتدمير منازلهم وإبادتها.
لمحة تاريخية
تُعد "الدوايمة" قرية فلسطينيّة قرب الخليل، بمساحة 60585 دونمًا، تُحيط بها أراضي قرى إذنا ودورا والقبيبة وبيت جبرين وعرب الجبارات، وقُدّر عدد سكانها عام 1922 (2441) نسمة وازداد عام 1945 ليصل إلى (3710) نسمة، بينما بلغ في 1948، قبيل المجزرة الصهيونيّة (4304) نسمة، ولجأ منها (3358) نسمة.
المجزرة
في ظهيرة يوم الثامن والعشرين من عام 1948، كانت قرية الدوايمة على موعدٍ مع اقتحام العصابات الصهيونيّة، حيث كان المدنيون فقط من يتواجدون بالقرية، دون إسنادٍ من المقاومة أو الجيوش العربية، ما أدى إلى استفراد الصهاينة بسكّان القرية المدنيين العُزّل.
اقتحمت القرية الكتيبة 89 التابعة للواء الثامن الصهيوني، بعد حصارٍ من عصابات "شتيرن" و"أرجون" الإرهابية الصهيونية، حيث تم الاقتحام من قبل 20 آلية مصفحّة، جاءت من جهة قرية "القبيبة"، بينما هاجم جنودٌ آخرون القرية من الجهة الأخرى.
يروي حسن محمود هديب، مُختار قرية الدوايمة، أن الاقتحام تمّ بعد نصف ساعة من صلاة الجمعة في ذلك اليوم، شلّ الخوف 20 شخصًا كانوا يحرسون القرية جراء الاقتحام الصهيوني المفاجئ. كان الصهاينة يمتلكون عرباتٍ مصفحة وأسلحة أوتوماتيكية ومدافع هاون، فتحوا النار فور دخول القرية، وكانوا يدخلون إليها بطريقٍ شبه دائري، وطوّقوا القرية من ثلاث جهات، بينما فتحوا الجهة الشرقية لتكون وسيلة هرب السكّان الذين سيكون مصيرهم اللجوء بعد ساعاتٍ من المجزرة.
لم تتحقق أمنية الإرهابيين بهرب السكّان بعد ساعةٍ من الاقتحام، فلجأوا إلى إطلاق النار تجاه المدنيين دون تمييزٍ بينهم، فقتلوا الرجال والأطفال والنساء، ما أدى إلى هرب من بقي حيًا إلى الكهوف المحيطة بالقرية وإلى مساجدٍ قُربه.
عادَ المختار هديب إلى القرية في اليوم التالي، فرأى مشهدًا مروّعًا، أجسامٌ متكوّمة في المسجد وجثثٌ متناثرة في الشوارع، لرجالٍ وأطفال ونساء، رأى المختار والده بين هذه الجُثث.
في الكهف الذي يُسمى "عرق الزاغ"، كانت مجزرةٌ أخرى مستقلة، تمت بحق المدنيين اللاجئين إليه، فقد كان الكهف مسدودًا بعشرات الجثث ممن ماتوا على يد العصابات الصهيونيّة.
كانت 10 عائلات أغلبها من عشيرتي العوامرة والقيسية أخذت بعض الأمتعة والطعام واختبأت في في الكهف، الواقع جنوب شرق "الدوايمة". كان الإرهابيون الصهاينة قد أمروا جميع الرجال والنساء والأطفال المتواجدين في الكهف بالاصطفاف، وأطلقوا النار تجاههم بإعدامٍ ميداني مروّع، وأدى ذلك لاستشهاد 55 مدنيًا.
شهاداتٌ مروّعة
بعد أعوامٍ من المجزرة، وثقت كتاباتٌ عدة تفاصيل المجزرة، فقد كُشف أنّ أحد الجنود أمام زملائه تباهى بجرائمه قائلا: "لقد اغتصبت امرأة عربية قبل أن أطلق عليها النار"، وذلك وفق ما أورده الباحث "أحمد العداربة" في كتابه "قرية الدوايمة" من منشورات جامعة "بير زيت".
وأفاد آخرٌ بأنه أجبر إحدى النساء من حاضنات الأطفال الصغار على نقل الجثث ثم قتلها هي وطفلها. بينما أخذ آخرون ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية، فيما بعد وُجِدنَ "مغتصباتٍ ومقتولات" على أطراف القرية.
وفق الشهادات أيضًا، فإن جنود عصابة "أرجون" الصهيونية أطلقوا النار على طفل يرضع من صدر أمه فـاخترقت الرصاصة رأسه وصدر أمه فقتلتهما والطفل يلثم الثدي وبقايا الحليب تسيل على جانبي فمه.
أثر المجزرة
استشهد جراء المجزرة أكثر من 170 فلسطينيًا منهم الأطفال والرجال والنساء، شُرد أهلها بالقوة، لتتم جريمة تطهيرٍ عرقي مروّعة، ويُحصي مختار القرية بعد المجزرة، فقدان 455 شخصًا.
لم تُدمّر قرية "الدوايمة" إلا بعد عدة أشهر، حيث نسفت القوات الصهيونية منازلها، وتواصل التدمير تدريجيًا لمدة 3 سنوات، تحولت بعدها القرية إلى منطقة تدريب عسكري، قبل أن تتحوّل إلى مستوطنة "اماتزيا"، سنة 1955، حيث تم استبدال السكّان الفلسطينيين بمستوطنين صهاينة، على أنقاض حياةٍ كاملة كانت تسكت بتاريخها وذكرياتها وأهلها المكان.
حشراتٌ طفيلية!
بعد أيامٍ من المجزرة، في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، وصل فريق من مراقبي الأمم المتحدة، إلى جانب مجموعة من عسكريي الاحتلال، طلب المراقبون الدخول إلى مسجد القرية المكدّس بالجثث والذي شهد مجزرةً أخرى، فرفض الصهاينة ذلك "بحجة أنّ المسجد ذا قدسية لدى المسلمين، ولا يجوز دخوله لغير المسلم".
شاهد المراقب دخانًا يتصاعد من المسجد فاقترب من النافذة وشم رائحة جثث بشرية تحترق، وعندما سُئِلَ الضابط الصهيوني المرافق عن الدخان والرائحة الكريهة، تم منعه من إكمال التحقيق وعندما سأله عن منزل كان يعد للنسف عن سبب ذلك، ردّ الضابط "المنزل يضمّ حشرات طفيلية سامة ولذا سنقوم بنسفه"!
التقرير الأممي
ورد في تقرير الأمم المتحدة المؤرخ في 14 حزيران/يونيو 1949، أنّ السبب في قلة المعلومات عن مجزرة "الدوايمة" التي تفوق -من نواح كثيرة- في وحشيتها مجزرة دير ياسين، يرجع إلى أن الفيلق العربي (الجيش الذي كانت المنطقة تحت سيطرته) خشي، فيما لو سُمح لأخبارها بالانتشار، أن تحدث التأثير نفسه الذي أحدثته مجزرة دير ياسين في معنويات الفلاحين، وأن تتسبب بموجة لجوء أُخرى.
في تقرير اللجنة الأممية، وفي تقارير محفوظة لدى الأرشيفات العسكرية الصهيونيّة، كانت شهاداتٌ كثيرة على هذه المجزرة، كما أن أحد المشاركين في ارتكابها، وهو الكاتب والمؤرخ الصهيوني عاموس كينان، اعترف بحقيقة ما حصلَ فيها، خلال فيلمٍ وثائقي تم في أواخر تسعينات القرن الماضي.