Menu

"إسرائيل" من "الأسلحة في الحرب إلى المياه في السلام"!

عبد الحسين شعبان

بوابة الهدف الإخبارية

إذا قيل في الحرب العالمية الأولى "من يملك النفط يكسب المعركة"، وهو قول صحيح آنذاك، فيمكن القول إن "من يسيطر على مصادر المياه ويتحكّم فيها ويستثمرها هو الذي ستكون له اليد الطولى في الحرب المقبلة" لأن لا تنمية من غير مياه، ولا حياة صحيّة من دون ماء، ولذلك يمكن أن تكون المياه هي الشرارة التي سيشعل فتيلها من يتمكّن من وضع اليد عليها.

يتبيّن اهتمام “إسرائيل” بجميع قواها وكتلها السياسية المختلفة بالمياه وهو ما تضمّنه برنامج الليكود منذ وقت مبكر حول احتفاظه بالأراضي العربية المحتلة الذي كان يبرر أن نسبة تزيد على 50 % من مصادر المياه العذبة المستهلكة تأتي من الضفة، وتضمّنت برامج كتل أخرى فقرات مماثلة في انتخابات الكنيست لأكثر من مرة.

لم توفّر الحركة الصهيونية سبيلاً إلّا واستخدمته للاستيلاء على المياه العربية، وكان ثيودور هيرتزل الأب الروحي للحركة الصهيونية ومؤلف كتاب دولة اليهود[1] منذ العام 1885 قد كتب عن ضرورة ضم جنوب لبنان وجبل الشيخ .

أما بن غوريون فقد أكّد في العام 1947 على ضرورة شمول سيطرة “إسرائيل” على منابع نهري الأردن والليطاني، إضافة إلى ثلوج جبل الشيخ واليرموك؛ وفي العام 1955 قال إن اليهود يخوضون معركة المياه مع العرب وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مستقبل “إسرائيل”. وكان الدبلوماسي الإسرائيلي الذي أدار الموساد ديفيد كمحي قد وجه رسالة إلى وزير خارجية الولايات المتحدة جورج شولتز عقب توقيع اتفاقية 17 أيار (مايو) 1983 (الملغاة) مع لبنان اشتراط انسحاب “إسرائيل” بحصولها على حصة من مياه الجنوب اللبناني.

وفي العام 1985 كتب شمعون بيريز في ما أطلق عليه “الشرق الأوسط الجديد”: “احتجنا إلى أسلحة في الحرب ونحتاج إلى مياه في السلام“.[2] وقد دخلت “إسرائيل” موضوع المياه مباشرة من خلال المعركة التي بدأت في الستينيات الماضية حينما حاولت سوريا التفكير بتحويل نهر بانياس، الذي ينبع من سفوح الجولان (أحد روافد نهر الأردن) وقامت بإطلاق تهديد مباشر لسوريا إدراكاً منها لأهمية المياه على اقتصادها، الأمر الذي استدعى عقد القمة العربية الأولى عام 1964، وهي القمة العربية الأولى بعد قمة إنشاء التي التأمت في العام 1946.

ولإدراك “إسرائيل” أن الماء واحد من مصادر الطاقة الأساسية، فقد سعت إلى تهديد الأمن القومي العربي حيثما استطاعت باستخدام سلاح المياه في المعركة، سواءً كان مباشرة أو بصورة غير مباشرة، من خلال دول أخرى، وهكذا سارعت لتقديم خدماتها لأثيوبيا لإضعاف مصر وقامت عبر شركة “تاحال” بتقديم تصاميم ودراسات لبناء عدد من السدود على نهر النيل في أثيوبيا، وقد تحرّكت باتجاهين: الأول- السعي لإعادة العلاقات الديبلوماسية مع العديد من الدول الإفريقية التي ظلّت مقطوعة منذ العام 1967 ونجحت في ذلك؛ والثاني- تزويد أثيوبيا بالسلاح لمواجهة “الثورة الأرتيرية” في حينها، وما أن نجحت هذه الأخيرة وحصلت أريتريا على الاستقلال، باشرت “إسرائيل” إلى إقامة أوثق العلاقات معها، علماً بأنه بين عام 1967 وعام 1973 أقدمت نحو 30 دولة أفريقية على قطع علاقاتها مع “إسرائيل” بسبب حروبها العدوانية ضد الشعب العربي الفلسطيني، لكنها بدأت باستعادة تلك العلاقات، بل تعويضها منذ أن وقّع الرئيس المصري محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية الصلح المنفرد 1978-1979، وحتى أواسط الثمانينات استعادت “إسرائيل” جميع علاقاتها المقطوعة تقريباً، بما فيها مع الدول الاشتراكية السابقة (أواخر الثمانينيات)، بل حصلت على امتيازات باعتبارها “الدولة الأكثر رعاية” أو "حظوة".

أما فيما يتعلّق ب تركيا ، فهي أول دولة إسلامية تعترف بـ”إسرائيل” منذ العام 1949، وتوطدت علاقتها معها، وخصوصاً في مجال المياه. [3] على الرغم من تدهور العلاقة لاحقاً، خصوصاً بعد حصار غزة وإعلان الحرب عليها 2008-2009، وفيما بعد مهاجمة “إسرائيل” “أسطول الحرية”، وقتل 9 من الأتراك كانوا ينقلون مساعدات إنسانية على ظهر السفينة “مرمرة”، واضطرار تركيا إلى مطالبتها بالاعتذار الرسمي وتخفيض العلاقات إلى مستوى سكرتير ثاني بدلاً من سفير، لكن العلاقات التجارية الاقتصادية لم تتأثر، بل ازدادت وثوقاً حتى مع تدهور العلاقات السياسية!

وإذا كانت “إسرائيل” قد اهتمت بالمياه منذ وقت مبكّر، لكنها في الثمانينات من القرن الماضي شهدت تطوراً ملحوظاً في استراتيجيتها، وكان قد تزامن ذلك الاهتمام مع تدفّق مئات الآلاف من اليهود السوفييت إليها، وقد خططت لإسكان قسم منهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الذي دفع إسحاق شامير يومها للحديث عن ضرورة الاحتفاظ بهذه الأراضي وعن “دولة “إسرائيل” الكبرى”[4].

ومع مقدّمات حرب الخليج وما بعدها، قامت “إسرائيل” بمحاولات سطو “دولية” على نهر الأردن، وسعت إلى سرقة مياهه وسيّرتها بموازاة الساحل الجنوبي بهدف إرواء صحراء النقب، كما أقدمت بعد عدوان العام 1967 على سحب المياه الجوفية من الأراضي المحتلة، وحالياً فإن أكثر من 60 % من مياه نهر الأردن تذهب إليها في حين لم يتجاوز ما كانت تستفيد منه من حوض النهر “عبر أراضيها” أكثر من 3%، ثم أقدمت على سرقة أخرى وذلك بالاستيلاء على مياه نهر بانياس العام 1967 وهو الذي يفسر تمسّكها الشديد، بمرتفعات الجولان.

وكانت “إسرائيل” قد وضعت عينها على نهر الليطاني اللبناني منذ وقت طويل، وفي العام 1978 أطلقت اسم “عملية الليطاني” على غزوها للبنان والجنوب اللبناني بشكل خاص. جدير بالذكر أن طول نهر الليطاني يبلغ 170 كلم ويقطع أكثر من نصف طول لبنان من الشمال إلى الجنوب ثم يتحول إلى الغرب، ويصب فيه 16 نهراً ونبعاً، ومياهه أفضل أنواع المياه بالمواصفات والجودة، ونحو 80% منه يقع في سهل البقاع و20% يمرّ في الجنوب، ويصب في البحر على مسافة 8 كيلومتر شمال مدينة صور، وهذه المياه هامة لـ”إسرائيل” وضرورية لتزويد الجليل المحتل بالمياه من دون ضخّ مكلف وكان ذلك أحد أهداف الغزو “الإسرائيلي” للبنان واحتلال العاصمة بيروت العام 1982[5].

أما بخصوص الجولان فظلّت القوى الصهيونية تردد “الجولان أبو فلسطين” لأنها تضم مياه نهر الحاصباني وبانياس والوزان والدان والأردن واليرموك وبحيرة طبريا ومساحة الاحتلال حوالي 1200 كلم2، وكانت زيارة ليبرمان إلى الجولان تأكيداً جديداً على التمسك “الإسرائيلي” به، بعد قرار ضمه الذي اتخذه الكنيست العام 1981[6]، وهي جزء لا يتجزأ من استفزازات ليبرمان للمجتمع الدولي على نحو مستمر[7].