Menu

هاني حبيب.. قلمٌ نبيل رحل وفيًا لفلسطين 

الراحل الكبير هاني حبيب

غزة _ بوابة الهدف

عمَّ الحزن في أوساط الأسرة الصحفيّة الفلسطينيّة جرّاء رحيل القامة الإعلاميّة الكبيرة نبيل شنينو المعروف باسم "هاني حبيب"، الصحفي المتواضع، والكاتب الوحدوي صاحب القلم النبيل.

ويُعد الصحفي حبيب من أبرز الكتّاب والمحلّلين السياسيين الفلسطينيين، وكان يكتب بشكلٍ دوري مقالات تحليليّة عن الواقع السياسي محليًا وعربيًا ودوليًا.

ونعت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين بكل حزنٍ وأسى إلى جماهير شعبنا رفيقها التاريخي الذي وُلد عام 1948، في مدينة أسدود قبل أن تستقر عائلته في غزة، بعد أن عانت آلام الهجرة القسرية، رفيقها الذي حمل السلاح دفاعًا عن الثورة خلال الحصار الصهيوني لبيروت عام 1982، مع استمرار دوره في مجلة الهدف ودائرة الإعلام، ثم خرج مع مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينيّة إلى دمشق وواصل دوره في مجلة الهدف، إلى أن عاد إلى أرض الوطن في تموز 1994.

الراحل "أبو شادي" كان أوّل مدير تحرير لموقع بوابة الهدف الإخبارية عند تأسيسها عام 2014، وكان كاتبًا وصحفيًا مرموقًا في عددٍ من الصحف المحليّة والعربيّة، وكاتب في جريدة الأيّام الفلسطينيّة منذ تأسيسها حتى وفاته، كما كان محللاً سياسيًا وله اطلالة على وسائل الإعلام الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة، ومعروف بوفائه وأخلاقه والتزامه العميق بحقوق وأهداف شعبنا وانحيازه لمصالح الأمة العربيّة والشعوب الفقيرة.

كنت حبيبًا لفلسطين ولشعبِها

يقول الصحفي الكاتب والصحفي الفلسطيني حاتم استانبولي: "وداعًا هاني الحبيب، لم يكن يتقن المجاملات أو تمرير المواقف، كان دائمًا له رأي في كل قضية ليس غريبًا عليه كونه كان خريجًا واعيًا لمدرسة الشهيد غسان كنفاني ، إنّه فعلاً ابن الهدف التي عاش فكرتها وكان دائمًا مخلصًا لها".

يُتابع استانبولي: "القلم والكلمة والورقة كانت الثلاثية التي تمحورت حولها حياته في بيروت، كانت الهدف مظلته وأسرته، أعطاها بكل اخلاص في كل مراحلها وهي لم تبخل عليه فمنحته فكرتها ومبدئيتها فكان وفيًا مخلصًا لفكرتها وأصرّ أن يُعيد انتاجها بحلةٍ جديدة، فكانت فكرة بوابة الهدف التي تحاورنا حولها وحول ضرورتها وإعادة الدور لفكرة الهدف وشعارها الحقيقة كل الحقيقة للجماهير. هاني حبيب لم أصدق أنّك رحلت بهذه السرعة، وعاد شريط لقائنا الأوّل في بيروت بصحيفة الهدف ثم عندما حضرت إلى رومانيا لمعهد الصحافة لصقل معرفتك وخبرتك وتواصلنا بعد عودتك لغزة، وفي كل مرّة كنّا نتحدّث أشعر وكأننا تفارقنا بالأمس. أتذكّر ضحكاتك وملاحظاتك اللاسعة وحرارة تفاعلك مع قضايا الوطن والجبهة. هاني حبيب فعلاً كنت حبيبًا لفلسطين ولشعبها ولقضيتها، هنالك مناضلين لا يعرفون كيف يجاملون لأنهم يرون أن ارتباطهم هو في الوطن ولا يعيرون أهمية للولاءات الشخصيّة وأنت واحد منهم، فهذه الصفة اكتسبتها من تجربتك مع غسّان والحكيم عندما عملت معهم. وداعًا هاني الحبيب".

كما نعاه الباحث والمحاضر الجامعي وسام رفيدي بالقول: "منذ أن كانت مجلة (الهدف) تأتينا مهربة أو نصوّرها من الجامعة العبريّة أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات، واسم هاني حبيب لازمة في كل عدد. هو والهدف كأنهما وجهان لعملةٍ واحدة. لروحه السلام. لقد افتقدته الهدف وقرائها بالتأكيد".

في وداع حارس الضمير

أمّا الكاتب الفلسطيني أكرم عطا الله، فقد قال في نعيه: "هل يُصاب القلب بعطب دائم؟ نعم، عندما يشهر الموت سلاحه ليختطف صديق العمر دون أن يترك لك متسعاً للمساومة، وعندما تقول لك زوجتك التي تستجمع كل قوتها وهي تحاول أن تتماسك قبل أن تفضحها نظرات حزن «مات هاني حبيب»، هكذا دون مقدمات، فالزلازل تأتي فجأة والصواعق تضرب بلا مقدمات. بحبر الدمع يكتب القلم عزيزاً سكت قلمه للأبد، ويتركنا مثخنين بالجراح في معركة الحياة التي فقدت فيها الصحافة الفلسطينية واحداً من أعمدة خيمتها التي استظلت بها لعقود وهي تنتقل من دمشق وبيروت ونيقوسيا و غزة حيث الملاذ الأخير، لتشاء صدفة السياسة أن تحط به على شواطئها لنلتقي صدفة منذ أكثر من ربع قرن في ذلك الممر الصغير الذي أهداني صديقاً بهذا الحجم وأنا بعمر أبنائه".

مات ضمير الصحافة

وتابع عطا الله: "مات ضمير الصحافة الفلسطينية الذي ظل أميناً لرسالتها حتى المقال الأخير الذي لم يغفُ يوماً، محافظاً على استقامة نادرة في زمن الانهيارات الكبرى، يكتب كراهب لم تتلعثم رسالته، حتى حين أُضيفت مساحة الرؤية كان الضمير الصلب متقداً ليشكل منارة لكل الصحافيين الذين اقتربوا منه. فقد كان بوصلة للقياس ولوجهة من عملوا في تلك المهنة أو لمن أرادوا أن يسيروا في طريقها أمناء على رسالتها. اليوم هو الأحد، موعد نشر مقالته الدائمة منذ تأسيس «الأيام»، لم يرسل مقاله بالأمس كتقليد حافظ عليه في ربع القرن الأخير من حياته، لقد فقدنا واحداً من أبرز كتاب المدرسة الواقعية التي تقرأ أحداث الكون لتكون وجهتها الوطن الذي كان حلمه منذ أن كان مقاتلاً في الأغوار في ستينات القرن الماضي قبل أن ينتقل الى عالم الصحافة، في يوم الأحد كان اسمه يعتلي صفحة «آراء» ونحن نأتي خلفه لأنه أستاذ ومعلم وهادٍ. كان قديساً في يومياته التي خبرتُ تفاصيلها عن قرب ونحن نتجول في المدينة نهاراً لسنوات طويلة، عملنا في مكتب واحد، كان يأتي رجل كل يوم يتسلم مفاتيح سيارته ليغسلها يومياً، سألته بعد أن تكرر الأمر: لماذا تتسخ سيارتك كل يوم؟ أجابني: هذا رجل فقير ومعيل، وهذا شكل يحفظ كرامة البشر، فلا يجوز أن يشعر أنني أعطيه المال شفقة.. كان يعطف على كل متسولي الشوارع موزعاً ما لديه بلا حساب. وقد اعتدنا على المرور كل شهر على السوق القديم في مخيم الشاطئ الى محل رجل سبعيني يُصلح أدوات قديمة عفا عليها الزمن ليضع فقيدُنا يده في جيبه ويسلم على الرجل. فسألته ذات مرة ان كان قريبَه، أجابني: لا ليس قريباً فقد كنت يتيماً في صغري وكان هذا جارنا قبل أن ألتحق بالثورة، وكان أحياناً يعطف علينا. وظل كاتبنا متكفلاً بالرجل حتى مماته".

وأكمل بالقول: "لا يتسع مقال لسرد تفاصيل مؤسّسة انسانيّة متحرّكة اسمها هاني حبيب، ولا مدرسة صحافية عملاقة تجسدت في شخصه منذ أن بدأ حياته المهنية زمن غسان كنفاني في مجلة «الهدف» التي تصدرها الجبهة الشعبية، وليعمل سكرتيراً صحافياً ل جورج حبش والذي ساهمت أخلاقه بكل تلك الإنسانية النادرة التي انتقلت الى كاتبنا، كنا ننام قيلولة الظهيرة في بيت الحكيم قال لي: لأفيق على صوته الهادئ يقول لي «هاني! ابني قوم عملت القهوة». كان جورج حبش يصنع القهوة لسكرتيره، هذا في السبعينات زمن العنفوان الثوري وخطف الطائرات عندما كان اسم الحكيم رقماً صعباً، كان بذلك التواضع الذي وجدته في تلميذه رحمهما الله. كان هادئاً كنسمة صيف في تعامله مع البشر، وصادماً كعاصفة شتاء في تعامله مع الساسة، يحنو على صغار الموظفين ومَن هم أقل منه وظيفياً، ونداً صعباً لمن هم أعلى منه درجة، كان مدرسةً في الأخلاق، احترف مهنته ولم يهادن أو يساوم على مواقفه التي أغضبت كل العاملين في الحقل السياسي، وهو ما يتضح عندما نكتشف أنه لم يحظ بتكريم من المؤسسة السياسية التي أعطت أوسمة للكثير، لكن هذا وحده وسام راكمه الراحل على امتداد كتاباته لتجد صداها لدى عامة الناس الذين نعوه بما يليق بطهرانية نادرة التصقت باسمه. كان شديد الذكاء وثاقب النظرة منذ أن عرفته منتصف تسعينات القرن الماضي، قال: لن تكون هناك دولة، هذا في ذروة الحلم مع عودة السلطة. رفَضَ تسليح الانتفاضة وقال: ستبدد كل شيء. وبعد أحداث 2007 وطرد السلطة من غزة قال: هذا سيستمر للأبد. وقد تحققت كل نبوءاته السوداوية، لم نصل للدولة، الانتفاضة بددت كل شيء، والانقسام تأبّد".

وختم عطا الله قائلاً: "مسألتان يجب ألّا يقترب منهما الصحافي لأنهما ستغيران مواقفه، هكذا ظل يردد، المال والمنصب، فالمال سيحوله الى كاتب للدفاع عن الممول، والمنصب سيحوله للدفاع عن المصلحة وفي هذا مقتله. لذا مات فقيراً ككل الكتاب الذين لم يتاجروا بقلمهم، ظل محافظاً على توازنه في أشد لحظات فقدان التوازن. كان هادئاً واقعياً وحالماً، يائساً من الواقع لكن حالماً بالمستقبل، كان يتمنى أن نصل للاستقلال وأن ينتهي الانقسام، أن يرى أي شيء يتحقق، لكن الواقع وسياسييه كانوا أكثر إخلاصاً ووفاءً للكارثة.!! اليوم فقدت الصحافة الفلسطينيّة واحداً من أهراماتها وحارس ضميرها ووريث أخلاقها، واحداً من رجال الزمن الجميل تاركاً ما يكفي من وجع الفقد، سيشعر الصحافيون والصحافيات بيُتم لا يقل عن يتم العائلة.. كان استثنائياً بلا حدود.. ملائكياً بلا حدود.. وداعاً يا صديق العمر".

وفي السياق، قال الكاتب نصّار إبراهيم: "ويبقى الصباح يضيء روحك يا هاني حبيب، كنت أود أن ألقي عليك تحية الصباح. لكنهم أخبروني أنك رحلت فجأة. فاسمح لي أن أعيد ما كتبت لك وعنك في آب 2016: "البشرة: قمحي، القد: رمحي، والشعر: أخشن من الدريس، ولون العيون أسود غطيس، والأنف: نافر كالحصان، والفم: ثابت في المكان (أحمد فؤاد نجم)، بصدفة تهيأت في ضرورات الثورة التقينا ذات يوم بعيد. التقينا في بيروت وفي دمشق. لقد التقينا هناك ولكننا لا نستطيع أن نلتقي هنا في الوطن رغم أننا نعيش على مسافة أغنية وأمنية. هو الآن "هناك" في غزة الباسلة يرحل ما بين البحر والفجر، وأنا "هنا" في الضفة أرحل على السفوح وأوقد نارًا. أي وطنٍ هذا لا يلتقي فيه الصديق صديقه!؟ ولكن لا عجب فهذا وطن الأسرى والمساحات المغلقة، مزروع بالحواجز والجدران والبنادق والحدود".

ناقد شجاع ومشاكس عميق

وتابع إبراهيم: "التقيت مع هاني في سياق أقدار المقاومة. اتفقنا كثيرًا واختلفنا ربما كثيرًا أو قليلاً لكنّنا لم نختلف على الحب والاحترام والوفاء للفكرة والبسمة وفلسطين. التقينا منذ زمن بعيد هناك في بيروت في الفاكهاني، في الشوارع المحيطة بجامعة بيروت العربية وتحت جسر الكولا والمزرعة وصبرا وشاتيلا. التقينا في الحصار والميادين. التقينا في مكاتب الهدف وفي اللقاءات والنقاشات. وكان هاني حيث يكون متحركًا حيويًا مندفعًا، لكنّه أبدًا لا يتخلى عن موهبة النقد والمشاكسة العميقة في التحليل والمقاربات. مثقف بكل معنى الكلمة، كاتب ومفكر وصحفي بارع".

وأردف بالقول: "عفوي جدًا. لا تغريه الشكليات الفارغة. يحب الفرح والضحكة النقية الأصيلة. منذ مدة تواصلت معه، وكما توقعت واثقًا، كان هو ذاته هاني المناضل الضاحك المشاكس الناقد الشجاع الصلب الوفي النبيل الذكي اللماح. هو ذاته منذ أربعين عامًا ويزيد، كما عرفته تمامًا. عيناه تطلق أسئلة أكثر دون أن تحيد عن الهدف. ربما لم يعد بمقدورنا أن نتغير حتى لو أردنا!. التقينا ذات يوم بعيد، ثم ابتعدت زوايا المكان كثيرًا. ثم ها نحن نلتقي افتراضيًا من جديد فإذا بنا نقف عند ذات الخط والفكرة ونواصل الحوار والأسئلة والقهوة والسجائر والضحك وتبادل الرأي في المقالات والتحليل والرؤية (افتراضيا) وكأننا لم نفترق. لنا، لفلسطين، لمجلة الهدف، لرفيقة دربك، لأهلك، لرفاقك وأصدقائك العزاء والصبر والذكريات العالية. ويبقى الصباح يضئ روحك في مجدها العالي".

أحد أعلام مجلة الهدف

كما قال عنه حسن خضر رئيس تحرير مجلة الكرمل: "عشنا في زمن لم نعرف أنه سيسمى لاحقاً بالجميل، وأننا كنّا من صنّاعه. لا أعتقد أن التسمية مناسبة، الجمال شيء والكثافة والعنف والشغف شيء آخر، كل ما في الأمر أنه كان استثنائيًا بامتياز، وأن في العيش فيه، كما في مجرّد الكتابة عنه، ما يمنح إحساسًا مُذهلاً بالغنى والامتلاء".

وأضاف خضر: "كانت الهدف البيروتيّة علامة فارقة في حياة كثيرين، ولا يمكن أن تُستعاد، بقدر ما يعنيني الأمر، دون أن يحضر فيها هاني حبيب، تزاملنا سنوات هناك في مكان تعبق فيه أنفاس غسان كنفاني، ومع نبأ رحيله، اليوم، تتقد مشاعر مختلفة أبرزها الفقدان. الرثاء يليق بك يا صاحبي. علمت أن محمود الداورجي رحل قبل سنوات، وكذلك أمجد ناصر، وقبل أشهر قليلة قيس العزاوي، الذي صار مندوبًا دائمًا للعراق لدى الجامعة العربية بعد سقوط صدّام (أذكر هذا لأن الفلسطينيين لا يعرفونه). أقول للأحياء: تمهلوا قليلاً، وللراحلين: كان ثمة الكثير من الحياة في حياة تظل قصيرة حتى وإن زاد ما فيها من أعداد السنين".

كان من الجيل الذي حمل صحافة الثورة

وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف قال في رحيل هاني حبيب: "برحيله فقدت الثقافة والصحافة الفلسطينيّة قامة كبيرة من قاماتها، التي ساهمت في تعميق الوعي الوطني، وتعزيز الهوية والرواية، من خلال كتاباته المختلفة، خاصّة في المقال السياسي والدراسات، لقد كان حبيب من ذلك الجيل الذي حمل صحافة الثورة، وآمن بدور القلم في الدفاع عن رواية شعبه، وكفاحه من أجل التحرّر، وواصل تلك المهمة بعد عودته إلى أرض الوطن مع كوادر الثورة، وظل يكتب ل فلسطين ولشعبها، وشكلت مواقفه الوطنية والجريئة محطات هامة في عملية الوعي والتثقيف الوطني".

وأكَّد أبو سيف أنّ "إرث هاني حبيب الغني والمتنوّع سيُضاف إلى إرث الإبداع الفلسطيني، وسيظل نبراسًا يضيء الطريق لعموم شعبنا، ونحن نواصل نضالنا من أجل استعادة البلاد".