لا يمكن لأي ثورة أو مقاومة أن تستغني عن شخصية البطل الآسرة، وهي شخصية تختلف حتى بمفهوم الناس للمقاومة، حيث ينتج الوعي الجماهيري نموذجه الخاص ضمن سياق وإطار الثورة العامة، فشخصية البطل مثالاً للاحتذاء به وتقليده وخلق حالة الخيال التي تلهب وتأسر ألباب وعقول الجماهير، فالبطل رمز والناس يتماثلون مع هذه الرمزية ويجدون الحالة الثورية الجماعية عبر التفافهم أو إعجابهم بهذا البطل أو الرمز أو الأيقونة.
ولقد تمثلت هذه الشخصية البطل عبر التاريخ في كثير من الناس ضمن إطار كل حركة اجتماعية أو ثورة، وحسب مفاهيم هذا المجتمع ونطاقه وكذلك الأمر حسب مفهوم الثورة ذاتها على المستوى العالمي، لا يمكننا أن نكسر رمزية "جيفارا" كبطل أسطوري ثوري ألهب عقول البشر ولا زال، والتاريخ الإسلامي مثلاً مليء بأبطال شكلوا قدوات في الكفاح والنضال والجهاد ولا زالت أسماؤهم تتردد حتى اليوم في المعارك والحروب حتى وإن كانت مذابح ومجازر.
وبهذا لابد لنا من الاعتراف بما لهذه الأسماء من تأثير في جذب واستقطاب وإلهام وأسر عقول البشر "خالد بن الوليد، صلاح الدين الأيوبي، علي بن أبي طالب، الحسين.. إلخ" في حين تحتل الشخصيات الآسرة مكانة كبيرة في العقل والذهن العربي والتي يتسرب إليها البعد للشخصيات العربية الإسلامية مروراً بالعصر العربي الجديد "جمال عبد الناصر" ولازال يأسر أذهان العرب جميعاً "عمر المختار، صدام حسين" على المستوى القومي في حين عملت كل دولة عربية على خلق صورة البطل الخاص بها والمتمثلة ربما في الرئيس أو الجندي العسكري وغيرهما.
أيضاً على الصعيد الفلسطيني الخاص فقد مثلت الثورة الفلسطينية حالة جمعية تستوعب الاختلاف والتناقض وتعدد الصور البطولية والأبطال والقادة "الحكيم، عرفات" وغيرهم من الثوار الذين ألهموا وأسروا عقول العالم والفلسطينيين "أبو علي، وديع حداد، حسن سلامة" والذين تقولبوا وشكلوا ورسموا صورة الفدائي الفلسطيني المعتمر بكوفيته باعتباره صورة البطل الجماعي، مما خلق في ذهن العالم والعرب والفلسطينيين صورة أسرتهم وألهبت نضالاتهم عبر عقود طويلة.
اليوم تغيرت المفاهيم والصور، ويحاول العالم في ظل اقتصاد السوق والعولمة خلق البطل المعولم الجديد المتمثل في نجم السينما، ونجم كرة القدم وغيرها بأسر ألباب وعقول البشر وإبعادها عن الشخصية الوطنية والثورية التي تقود عقولهم وقلوبهم وأفكارهم.
إن الوعي الجماهيري ينتج نموذج أشخاص حسب منطق ومفاهيم الثورة وأشكالها، وقد انتهت صورة الفدائي في مرحلة من المراحل لتحل محلها صورة الاستشهادي في التسعينيات وبدايات الألفية الثالثة رغم ما ساد هذا التكتيك من النضال أوجه خلاف وإشكاليات لتنتهي وتحل محلها صورة ونموذج جديد يتمثل في المقاوم المسلّح المتشبِك في أرضه، فقد شكّل مثلاً المتحدث الإعلامي باسم كتائب القسّام "أبو عبيدة" نموذجاً آسراً لعدد من الشباب، ولكن ما مثّلته شخصية عهد التميمي حالة مغايرة تماماً، تعيد للأذهان صورة البطل والشخصية الآسرة والنضالات في جميع أركان الأرض.
حيث يشهد المتابع لتطور شخصية عهد التميمي والاهتمام الإعلامي والدُولي بها وما مثّلته باعتبارها رمزاً للمقاومة الشعبية، وضعت في مصافي النماذج العالمية "جيفارا، جان دارك" وحتى وضع رسمها على وجه تمثال الحرية،
ممّا يجعلها الشخصية الآسرة بحسب تعبير "بورس جار لتسكي"، ولتعيد الاهتمام إلى القضيّة الفلسطينية باعتبارها محوراً للعمل الثوري حول العالم، كما صنعته شخصية الفدائي الفلسطيني في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي.
وبهذا أصبح من الضروري أن تعبّر الشخصية الآسرة الممثلة لنضالات الفلاحين الفلسطينيين جميعاً "عهد التميمي" بخطاب تحرّري ثوري يُلهم ويأسر العقول في العالم أجمع، باعتبار ذلك إعادة اعتبار لمكانة القضية الفلسطينية على المستوى الثوري، وكذلك الأمر الاستناد في هذا الخطاب للمضمون والبعد الاجتماعي مستنداً في بعض جوانبه للخطاب القانوني والحقوقي المطلبي وليس اعتباره أساساً.
إن عهد التميمي الشخصية الآسرة وما تمثله اليوم من شخصية إعلامية من الدرجة الأولى فرصة يجب ألّا تضيع أو تُستخدم أو يتم استهلاكها لعدة أسباب:
- أنها شخصية آسرة وموحِّدة للفلسطينيين يجب أن تحمل خطاباً وحدويّاً.
- أنها شخصية آسرة تمثل شخصية الفلاحين الفلسطينيين، ولهذا يجب أن تحمل أبعاد التشبث بالأرض والقيم التضامنية والتعاونية والارتباط بالأرض، وتحميل صورتها أبعاداً أكثر بساطة، كفلاحة تفلح الأرض وتحرثها..إلخ.
- إن عهد الشخصية الآسرة اخترقت "المجتمع الإسرائيلي"، حيث للمرة الأولى قدمت بروفيلاً مغايراً لما قدمه الساسة والأيديولوجيين والإعلاميين الصهاينة عن الفلسطينيين باعتبارهم حيوانات بشرية وغيرها من الصفات القبيحة، وقد وجد العرق الصهيوني الأوربي شبيهاً له في الطرف الآخر يمتاز بالقوة والجمال مما أفقدهم الرفض الذهني عن الفلسطينيين، وبهذا فإن خطابها حتماً سيلقى قبولاً وسيخترق المجتمع الصهيوني، ولكن ليس ضمن خطاب استجداء السلام وإنما ضمن تأكيد وجود الطرف الآخر الفلسطيني وأحقيّته.
- إن عهد الشخصية الآسرة اخترقت الرأي العام الدولي، وهو أمر ملح لتحميل وتعبئة هذه الشخصية بالبعد السياسي والثوري والإنساني والقانوني والحقوقي.
- إن عهد التميمي الشخصية الآسرة، دولياً مثّلت الأسرى باعتبارها أسيرة محررة يحاول الاحتلال شيطنة هذه الفئة والهجوم الدائم عليها، وتقديم عهد كنموذج للأسير الفلسطيني تلغي وتهدم الرواية الإسرائيلية المتمثلة باعتبار الأسرى إرهابيين ومجرمين وغير ذلك.
وأخيراً إن عهد التميمي يجب أن تكون عنواناً ومحوراً للنضال والمقاومة الشعبية والنضال الشبابي، وأن تختار نخبة من الشباب الفلسطيني في كل أماكن تواجده ومن كل المشارب الفكرية ويمثلون كل القضايا الفلسطينية وتشكيل طاقم يكون مرشدها السياسي والإعلامي والقانوني والاجتماعي، وتكون ممثلتهم عبر التواصل مع كافة الشباب الفلسطيني والعربي -إن أمكن- الداعم والفاعل من أجل قضية فلسطين.