كتب الأسير المحرر سعد عمر يقول: "أذكر أنّ أول سجنٍ دخلته كان #سجن_جلبوع في سهل بيسان المحتلة، وقد سمعت باسم سجن جلبوع لأول مرة في مركز تحقيق "بيتاح تكڤا"؛ المقامة على أراضي ملبس الفلسطينية، على لسان أحد الأسرى الذين أعيدوا من سجن جلبوع للتحقيق، وكانت سمعة السجن لقسوته ووحشية سجانيه منتشرة بين الأسرى".
وعن تعرفه على هذا السجن ووصفه له يقول: "قرأت عنه في الصحف الصهيونية لاحقًا وأنا في داخله بأنه كان درة تاج المنظومة الأمنية الصهيونية بالتعاون مع خبراتٍ وتصاميم أجنبية، لجعله السجن الأكثر سيطرةً ومَنَعَةً من الهرب وفقدان السيطرة عليه، والذي قام الاحتلال ببناء سجن رامون وبعض أقسام سجن النقب تبعًا لتصميمه".
رد الروح
ويورد الأسير المحرر سعد عمر فيما كتبه: "لم أسمع بخبر يرد الروح مع اسم هذا المكان البغيض.. كما سمعت صوت أخي الأكبر حافظ الذي خاض تجربة الأسر ويعلم جيدًا معنى حدثٍ كهذا، وكم من الفرحة يحمل مع كل كلمة كان يقولها".
ليس ككل صباح
وفي وصفه لمعاناته وذويه وذوي الأسرى، كما الصباح المختلف عن كل صباحٍ بعد تمكن ستة من الأسرى من تحرير أنفسهم، يقول: "أذكر هذا السجن جيدًا.. والله لم يبرد مما نالني منه وفيه وما قاساه والداي وأخي محمد على بواباته وتفتيشاته وإذلاله في زيارتي كباقي الأسرى وذويهم مثل هذا الصباح.. صباحٌ لم يخيب أمل كل مُحَرِرٍ نفسه من الأحرار الستة الذين صعدوا من بطن الجُبِّ لوسع السماء وفضاء الحرية.. صباحٌ لم أتمالك نفسي لمنعها من البكاء، من تخيّل إحساس كل واحد من الستة وهو يخرج من عين النفق خارج سور السجن وتحقيق حلم كل أسير دخل لهذا السجن؛ بأن يذلهم ويكسر أنفتهم مع قضبان سجنهم هذا.. صباحٌ تغسل فيه دموع الفرح صور الألم والقهر من الروح والذاكرة.. وتعلو فيه الضحكات عبر الزنازين في كل السجون في الأرض الحرّة المحتلة، وقد مرغنا أنوفهم في الوحل اليوم".
وختم ما كتب: "بانتظار يوم كيوم اقتحام سجن الخيام في جنوب لبنان أثناء اندحار الاحتلال؛ بفعل المقاومة من الجنوب وتحرير الأسرى، وهو لا بد قادمٌ حتمًا".
يأتي ما كتبه "عمر" بعد تمكّن كل الأسرى: مناضل يعقوب انفيعات، ومحمد قاسم عارضة، ويعقوب محمود قدري، وأيهم فؤاد كممجي، ومحمود عبد الله عارضة، وزكريا زبيدي، من تحرير أنفسهم من خلال نفق وصفه الناشطون بأنه "نفق الحرية".
وتعقيبًا على ذات الحدث، كتب الأسير المحرر الرفيق مؤيّد عبد الصمد "الشيص": إنّ فرسان جنين دائمًا سبّاقين في الهروب إلى الأمام، الرواد والطليعيين في قهر واذلال السجان.. عمر النايف حرّر نفسه عنوة وحطم سلاسلهم والقيود، بل حطم كل حدودهم وفر إلى خارج البلاد، عام ١٩٩٨ من سجن شطة حفر شباب جنين يقودهم أسامة أبو حناني نفقًا مماثلاً لنفق الأمس واستطاعوا الخروج إلى فضاء الحرية وكان عددهم قرابة العشرين وفي اللحظة الأخيرة لاحقتهم كلاب الحراسة ونبهت الحراس بعد أن صار ثلاثة منهم على الشارع خارج الأسوار".
يُتابع الشيص: "بعدها بأشهرٍ قليلة، محمد كميل "الرشق" من قباطية ونزار رمضان من تل فرّا خارج الأسوار بعملية هروب أشبه بأفلام رامبو بل أكثر إثارة حين صنعا حبلاً طويلاً من أحزمة الحقائب وصنعوا كلّابات من مزليق التسخين وألقوه إلى مسافة عشرين مترًا على الأسلاك الشائكة معلقًا في الهواء على ارتفاع عشرة أمتار وأكثر ونشروا حديد البلكونة وانزلقوا على الحبل إلى أن وصلوا السور وقفزوا من ارتفاع عشرة أمتار ومكثوا مطاردين ليومين حتى اعتقلوا على حدود غزة" .
وحول مفخرة الأمس، يقول: بالأمس صنع لنا أبطال جنين نصرًا أسطوريًا.. نعيش نشوته وسنظل ما حيينا نحرسكم وكل قلوب الناس ملجأكم.. فإلى الأمام إلى الأمام".
"مُسجلين خطر..!"
وبحسب المعلومات التي تواردت حول الأسرى الستّة؛ فإنّ مصلحة السجون "الإسرائيلية" وصفتهم بأنهم "بمستوى خطورة مرتفع"، ووصفت ثلاثة منهم بأن احتمال فرارهم من السجن مرتفع جدًا وهم: أيهم فؤاد كممجي، ومحمود عبد الله عارضة، ويعقوب محمود قدري، بحسب الملاحظات التي قيدت في ملفاتهم الأمنية وبطاقات تعريفهم الشخصية الإسرائيلية الخاصة بالسجن ومفادها أن احتمال هروبهم كبير".
سَقَطَت درة التاج في بئر الصرف الصحي
ووصف مسؤول في مصلحة السجون الهروب من سجن "جلبوع" بالإخفاق غير المسبوق للأجهزة الأمنية والاستخباراتية؛ قائلًا في حديثه لصحيفة "هآرتس" إنه "هكذا يحدث عند تعيين أشخاص عديمي الخبرة في مثل هذه المناصب الحساسة".
وكشف المسؤول في مصلحة السجون للصحيفة النقاب عن معلومات من ملف التحقيق تشير إلى أنّ التقديرات الأولية تظهر أنّ الأسرى الستة خططوا لعملية الهرب قبل مدة طويلة، وحصلوا على مساعدة من خارج السجن.
ووفقًا للمسؤول؛ تم تهريب هواتف محمولة للأسرى، وعبرها تواصلوا مع مجموعة خططوا معها لعملية الهرب من السجن، وكشف عن أن مدخل بئر المياه العادمة التابع للسجن يوجد قرب برج المراقبة للسجن.
وتمكّن الأسرى من الخروج من بئر مياه الصرف الصحي والهرب بسيارة أو أكثر كانت بانتظارهم قرب المكان، في حين ليس ببعيد أن يكون الأسرى الستة حصلوا على مساعدة من السجّانين في سجن "جلبوع"، حسب ما أفاد موقع "واللا".
أمّا صحيفة "هآرتس" العبرية، فقد أكَّدت أنّ التحقيقات المُستمرة قد طالت "14 سجانًا في إطار الاشتباه بمساعدة الأسرى الستة وهذا الاحتمال لا يزال قائمًا".
"ما تبقى هو تعلّم الدروس"
ويقول مسؤولون أمنيون إنّ الفدائيين استغلوا عطلة "روش هاشناه"، حيث تكون قوات السجن قليلة، وتلقت استخبارات IPS مؤخرًا إشارات على أنه قد تكون هناك "أعمال شغب" في أحد السجون، ولكن يبدو أنه تمرين مصمم لإخفاء خطة هروب الستة.
وقال مصدر أمني صهيوني للقناة 12 إنّ هذه "كانت حادثة محرجة للغاية بالنسبة لمصلحة السجون، حيث تمكّن السجناء الأمنيون من التخطيط لهروب معقد لفترة طويلة - دون تلقي أي معلومات استخباراتيّة"، وقال إنّ "ما تبقى هو تعلم الدروس".
بكل تأكيد أنّ هذه العملية الأسطوريّة لم تمر مرور الكرام، بل سنُخلدها للأجيال، ونحكي حكاية الأمل الذي انتزع حريّته رغم أنف المُسماة بـ"الدولة"، إذ أنّ حكاية #نفق_الحرية ستروي عطش كل الطامحين إليها.