Menu

تقريرالقبض على غزاوي.. والتهمة: مدمن قهوة !

أحمد نعيم بدير

بوابة الهدف_غزة (تصوير: طارق مسعود)

أعرف قهوتي، وقهوة أمي، وقهوة أصدقائي. أعرفها من بعيد وأعرف الفوارق بينها. لا قهوة تشبه قهوة أخرى. ودفاعي عن القهوة هو دفاع عن خصوصية الفارق. ليس هنالك مذاق اسمه مذاق القهوة. لكل شخص قهوته الخاصة، الخاصة إلى حد أقيس معه درجة ذوق الشخص وأناقته النفسية بمذاق قهوته. ثمة قهوة لها مذاق الكزبرة. ذلك يعني أن مطبخ السيدة ليس مرتبا. وثمة قهوة لها مذاق عصير الخروب. ذلك يعني أن صاحب البيت بخيل. وثمة قهوة لها رائحة العطر. ذلك يعني أن السيدة شديدة الاهتمام بظاهر الأشياء. وثمة قهوة لها ملمس الطحلب في الفم. ذلك يعني أن صاحبها يساري طفولي. وثمة قهوة لها مذاق القِدم من فرط ما تألب البن في الماء الساخن. ذلك يعني أن صاحبها يميني متطرف. وثمة قهوة لها مذاق الهال الطاغي. ذلك يعني أن السيدة محدثة النعمة.

هكذا يحكي محمود درويش في ذاكرة النسيان عن "القهوة"، فيما يحكي الواقع اليوم أن جيلاً بكامله من بعده أدمن القهوة إلى الحد الذي صار فيه قطاع غزة على سبيل المثال يستهلك خمسة أطنان يوميا، أو هكذا تدعي إحدى أكثر الشركات شهرة وخبرة.

يقول الشاب سامر عطا لله : في الصباح أول شيء أفعله، عند وصولي لعملي أشرب قهوتي. ومن حبي لها كتبت الشعر فيها في قصيدة بعنوان ( قلمي وسيجارتي وفنجان قهوتي كل ما امتلكه في هذه الحياة ).

ويضيف سامر: يتراوح معدل احتسائي للقهوة أثناء العمل من ثلاث إلى أربعة فناجين من الحجم الكبير, لكن في البيت تكون الكمية أقل .

وعند عدم شربه للقهوة يقول سامر: هي مشروبي المفضل بالتأكيد وأشعر بأني محتاج لها مثلها مثل السجائر رغم كل المشاكل الصحية التي نعاني من ورائهما. ورغم ما يقولون عن أن الكثرة من شربها مضر ويسبب مشاكل في المعدة لكني لا أستطيع ان أمتنع عنها .

ويعتقد سامر أن احتساء القهوة يعتبر عادة منتشرة في جميع المجتمعات كمتابعة الألعاب الرياضة او التدخين وغيرها من السلوكيات .

أما الشاب أحمد قدادة فيقول عن حبه للقهوة : أنا أشرب في اليوم من ثلاث الى أربع فناجين كبيرة، ولهذا أنا لست مدمن، فقد فاقني غيري بمراحل، لكن عند عدم شربي لها أشعر بالضيق نوعاً ما مع علمي ان فيها نسبة كافيين مضرة لو زادت عن حدها . وهي خير منقذ عند العصبية والانفعالات الكبيرة.

"أعمل ايه وانتا مش هنا وأجيب منين صبر لسنة " هكذا بدأ عمار مقداد مدير أحد المطاعم بمدينة غزة حديثه عن القهوة.

ويضيف: القهوة هي حياتي ولا أتخيل أن يأتي يوم بدون أن أحتسي مجموعة من فناجين القهوة مع السجائر فأنا أشرب في اليوم الواحد ما يعادل 8 "غلايات قهوة " ولا أرى مشكلة في هذه الكمية لأنني إنسان أهوى السهر ومعدل ساعات نومي هي 4 ساعات فقط فالقهوة تكون رفيقتي في السهر .

ويواصل حديثه: هناك بعض الزبائن ممن يرتادون المطعم يفضلون شرب القهوة عن أي مشروب أخر .

أما محمد أبو نحل "شيف وبار مان" فعمل في أكثر المطاعم شهرةً في غزة وما زال يعمل يقول: "كل فنجان بعمله للزبون بعمل فنجان معاه الي من كتر حبي للقهوة, فمعدل شربي للقهوة هو معدل كم زبون يزور المطعم في اليوم الواحد, حتى في بيتي القهوة هي المشروب المفضل, وهناك العديد من الأصدقاء نصحني بأن الإسراف في شربها قد يضر بالصحة, لكنني مؤمن بأنها تعطيني النشاط والحيوية أثناء العمل".

 ويكمل أبو نحل " في المطاعم تشاهدون عندما يقدم "الجرسون" القهوة للزبائن يقدم معها كأس من المياه ليس لتغيير طعم الفم بعد شرب القهوة كما يظن البعض, ولكن القهوة عند شربها تسحب كل المياه الموجودة في الجسم فمن الضروري مع كل فنجان قهوة بعدها شرب كأس من المياه لتعويض المياه المفقودة لتعديل تركيز الماء في الجسم .

لقد أظهرت الدراسات الحديثة المنتشرة على الإنترنت في المواقع الموثوقة تحديدا، أن الكافيين الموجود في القهوة يحفز الجهاز العصبي بشكل تنشط من خلاله عضلة القلب، والذي يؤدي بدوره إلى تقوية التروية الدموية في الدماغ وإمدادها بكمية أكبر من الأكسجين. وهو ما يدعم الإحساس بالصحة والقدرة على التفكير.

كما أن للقهوة تأثير جلي في القضاء على الصداع النصفي، حيث تتوسع الأوعية الدموية في المستقبلات العصبية للدماغ، ما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم وتزايد الضغط على جدران الأوعية الدموية. وفي المقابل، يحفز الكافيين على تضييق الأوعية الدموية في الدماغ، ما يؤدي إلى تسريع جريان الدم وإكماله دورته بسرعة أكبر.

وهذه هي الفوائد، غير أن المخاطر كثيرة وأكثر بكثير، فالكافيين الذي يعتبر المادة المنبهة قد يجلب لعقلك الإجهاد والإرهاق إذ تناولت أكثر من 3 فناجين يوميا، وقد يتسبب لك في التعب النفسي والإرباك إذا كنت تتناول أكثر من هذا وقللت مما تتناوله، ناهيك عن الأرق الذي سيصاحبك خاصة إذا تناولتها في المساء، واضطرابات المعدة، واضطراب عضلات القلب وغيرها.

قد يكون الواقع مظلما، ولكن، همسة في أذنك: كن في عشق القهوة معتدلا؛ هكذا مثلما قال درويش: في وسع الغزاة أن يسلطوا البحر والجو والبر عليّ، ولكنهم لا يستطيعون أن يقتلعوا مني رائحة القهوة. سأصنع قهوتي الآن. سأشرب القهوة الآن. سأمتلئ برائحة القهوة الآن، لأعيش يوما آخر، أو أموت محاطا برائحة القهوة.